للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هلَكْتُ، فقال: "بِمَ هلَكْتَ يا ثابتُ؟ "، قال: يا رسولَ اللَّه، إنَّ اللَّهَ نهانا أنْ نرفَعَ أصواتَنا فوق صَوْتِكَ، وأنا امرؤٌ جَهِيرَ الصوت، ونهانا اللَّهُ عن الخُيَلاء، وإني أُحِبُّ الجَمالَ حتى إني لَأُحِبُّه في شِسْعِ نَعْلِي (١) وجِلازِ (٢) سَوْطي، ونهانا أنْ يُحِبَّ المرءُ أنْ يُحْمَدَ بما لم يفعل، وأنا واللَّهِ أَجِدُني أُحِبُّ الحَمْدَ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا ثابتُ، إنَّ اللَّهَ جميلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، وليس ذلك بالكِبْرِ، إنما الكِبْرُ أنْ تُسَفِّهَ الحقَّ، وتَغْمِضَ الناسَ في عينيكَ، أفلا ترضى أنْ تعيشَ حَميدًا، وتذهَبَ فقيرًا، وتُقْتَلَ شهيدًا؟ "، فقال: بلى، قد رَضِيتُ يا رسولَ اللَّه، فعاشَ حَميدًا، وذهَبَ فقيرًا، وقُتِلَ شهيدًا يومَ مُسَيْلَمَةَ الكَذَّابِ لعنَه اللَّه" (٣).

قال أنس: فكُنَّا ننظرُ إلى رجلٍ مِن أهل الجنة يمشي بين أيدينا، فلما كان يومُ اليَمامة وانهزمَ المسلمون، قال ثابتٌ لسالمٍ مولى أبي حُذيفةَ: ما كنا نقاتلُ أعداءَ اللَّه مع رسول اللَّه مِثْلَ هذا، فثبَتا حتى قُتِلا، وعلى ثابتٍ يومئذ دِرْعٌ، فرآه رجل مِن الصحابة بعد موته في المنام إذ قال له ثابتُ: اعلَمْ أنَّ فلانًا مِن المسلمين نزَعَ دِرْعي فذهب


(١) الشِّسْع: أحد سيور النعل، وهو الذي يدخل بين الأصبعين، ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام. انظر: "النهاية" (مادة: شسع).
(٢) الجِلاز: كل عقد عقدته حتى يستدير فقد جلزته، وهو جلز وجلاز. انظر: "جمهرة اللغة" لابن دريد (١/ ٤٧١).
(٣) رواه مختصرًا الإمام مالك في "الموطأ" (٩٤٦)، وعبد الرزاق في "تفسيره" (٣/ ٢١٩)، والطبري في "تفسيره" (٢١/ ٣٤١)، وابن حبان في "صحيحه" (٧١٦٧)، والطبراني في "الكبير" (١٣١٠) وغيرهم، وليس فيه قوله: "إن اللَّه جميل يُحِبُّ الجَمالَ، وليس ذلك بالكِبْرِ، إنما الكِبْرُ أنْ تُسَفِّهَ الحقَّ، وتَغْمِضَ الناسَ في عينيكَ". وروي دون هذه الزيادة أيضًا قطعة من حديث بنت ثابت بن قيس، وسيأتي قريبًا تخريج حديثها. وهذه الزيادة رواها عن ثابت الرويانيُّ في "مسنده" (١٠٠٣)، وورد نحوها في "صحيح مسلم" (٩١) من حديث ابن مسعود رضي اللَّه عنه.