للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مأخوذةٌ مِن التَّحَجُّر، وهي أنْ يتَّخِذَ المرءُ لنفْسِه مَنْزِلًا يسكُنُه يمنَعُ غيرَه مِن مُشاركتِه فيه، والحَجْرُ: المَنْعُ.

أي: إنَّ الذين يَصيحون بك خارجَ منزلكَ وأنتَ في منزلكَ، ولا ينتظرون خروجَكَ إلى الناس مِن قومٍ الغالبُ عليهم الجَفاءُ والجهلُ لِخُلُوِّهم مِن عِلْم الدِّين، وفيه ذَمُّ هذه الفِرْقَةِ، وتسخيفٌ لعقولهم بهذه المُعاملة، وتسليةٌ للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بما لَحِقَه مِن الأَذِيَّة أنَّهم كالمجانين الذين لا عُقولَ لهم، فليَهُونَنَّ عليكَ ذلك.

قال مجاهد: هُم أعرابُ بني تميمٍ (١).

ورُوِيَ: أنَّ الأَقْرَعَ بنَ حابِسٍ هو الذي نادى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مِن وراء الحُجُرات (٢).

وقال: {أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}: ولم يَقُلْ: (كلُّهم)؛ لأنَّ المُناديَ بعضُهم، ولعلَّ فيهم مَن يَعْقِلُ.

* * *

(٥) - {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

وقولُه تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}: أي: أنفعَ وأصلحَ في دِينهم ودنياهم.

{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}: أي: إنْ تابوا غفَرَ لهم ورَحِمَهم.

قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: بعثَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سَرِيَّةً إلى حيِّ بني العَنْبَرِ، وأمَّرَ عليهم عُيَيْنَةَ بنَ حِصنٍ، فلما علِموا أنَّه توجَّهَ نحوَهم هرَبوا، فتركوا


(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢١/ ٣٤٦)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (١٤٢٩).
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "مسنده" (٧٠٢)، والإمام أحمد في "مسنده" (١٥٩٩١)، والطبري في "تفسيره" (٢١/ ٣٤٦)، والطبراني في "الكبير" (٨٧٨).