للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا مِن تَكْميلِ النِّعَمِ عليهم في الجنة، يقول: وهؤلاء المُتَّقون الذين آمَنوا وآمَنَ أولادُهم كما آمَن آباؤُهم ألْحَقْنا الذُّرِّيَّةَ -وهُم الأولادُ- بالآباء في الجنة في درجةٍ واحدةٍ.

يقول: وأرفَعُ الجميعَ إليها لِتَقَرَّ أعينُهم بالاجتماع في الجنة كما كان كذلكَ في الدنيا، فلا يَتَنَغَّصُ عليهم الحالُ بتَفَرُّقِ الشَّمْلِ.

ثم قيل: هذا في أولادٍ هم أقلُّ حسناتٍ مِن الآباء، يتفضَّلُ اللَّهُ على الآباء فيُثِيبُ (١) الأبناءَ مثلَ ثوابِ الآباء، ويتجاوزُ عن تقصير الأبناء.

وقيل: هذا في أولادٍ لم يُقَصِّروا في العمل، لكنْ كان عُمُرُهم أقصرَ مِن أعمار الآباء، فيُثِيبَ الأولادَ مثلَ ثوابِ الآباء؛ لأنَّه على الأعمال لا على الأعمار، فلم يَنْتَقِصْ بنُقْصانِ العُمُر.

{وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}: أي: ما نَقَصْناهم -أي: الأبناءَ- مِن ثواب أعمالهم بقِصَرِ أعمارهم.

وقيل: ما نَقَصْناهم مِن ثواب الآباء بسبب إلحاق الأبناءِ بهم، مع أنَّهم أقلُّ عملًا (٢) مِن الآباء، وهو كما يُروى: "مَن فطَّرَ صائمًا فله مِثْلُ أَجْرِه مِن غير أنْ يَنْقُصَ مِن أجرِه شيءٌ" (٣).

وقال الرَّبيعُ بنُ أنسٍ: {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ}: أي: بإيمانِ آبائِهم، {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}: أي: أعطيناهم مِن الثواب ما أعطينا الآباءَ (٤).


(١) في (ف): "ثم يثيب".
(٢) في (ر): "أعمالا".
(٣) رواه الإمام أحمد في "مسنده" (١٧٠٣٣)، والترمذي (٨٠٧) وقال: حسن صحيح، والنسائي (٣٣١٧)، وابن ماجه (١٧٤٦)، من حديث زيد بن خالد الجهني رضي اللَّه عنه.
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" (٢١/ ٥٨٣).