{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}: أي: أم يقولون: إنَّهم خُلِقُوا مِن غير خالِقٍ، أم يَدَّعون أنهم خَلَقوا أنفُسَهم؟
يعني: فإذا كانوا لا يَدَّعون واحدًا مِن هذين، بل يُقِرُّون أنَّ لهم صانِعًا غيرَه، فما الذي يمنَعُهم عن إفرادِه بالعِبادةِ، وعن إثباتِ القُدْرةِ له على الإعادة؟
وقيل: أم خُلِقُوا مِن غير تُرابٍ ولا نُطْفَةٍ؟ فليسوا يدَّعون هذا، بل يُقِرُّون أنَّ آدمَ خُلِقَ مِن تُرابٍ، وهُم خُلِقُوا مِن ماءٍ مَهينٍ، فما يمنَعُهم أنْ يُقِرُّوا أنهم يُخْلَقُون مَرَّةً أخرى مِن عظامٍ رَميمٍ؟
وقيل: أم خُلِقُوا مِن غيرِ آباءٍ وأُمَّهاتٍ، فهُم كالجَماد لا يعقلون ما يُذَكَّرون به، أم هُم الخالِقون هذا الخلقَ، فكذلك لا يَأْتَمِرون ولا ينتهون؛ لأنَّ الأمرَ والنَّهْيَ للخالق.
وقيل: معناه: أم خُلِقُوا مِن غيرِ حسابٍ ولا ثوابٍ وعقابٍ -وتقديرُه: لغير شيءٍ؛ كقولكَ: فعلْتُ هذا مِن غير شيءٍ- فبئس ما يَظُنُّون.
وقال ابنُ كَيْسَانَ:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ}؛ أي: بغير شيءٍ؛ أي: تُرِكوا سُدًى، لا يُؤْمَرون ولا يُنْهَونَ.
وقال أيضًا: أَخُلِقوا عبَثًا، وترُكِوا سُدًى (١)؟ قال تعالى:{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى}[القيامة: ٣٦]، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا}[المؤمنون: ١١٥].