للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليهم راهِبٌ مِن الدَّيْرِ، فقال لهم: إنَّ هذه أرضٌ مُسْبِعَةٌ؛ أي: ذاتُ سِباعٍ (١)، قال عُتْبَةُ لأصحابه: أَعِينُوني هذه اللَّيْلةَ، فإني أخافُ دعوةَ محمدٍ، فجمَعوا جِمالَهم، فأناخوها حولهم، وأَحْدَقوا بعُتْبَةَ، وفرَشوا له وَسَطَهم، وناموا، فجاء الأسدُ يتَشَمَّمُ وُجوهَهم، ثم دنا منه، فخَدَشَه وضرَبَه حتى قتَلَه، فقال في ذلك حسانُ بنُ ثابتٍ رضي اللَّه عنه:

سائِلْ بني الأَشْعَرِ إنْ جئتَهم... ما كان أنباءُ أبي واسِعِ؟

لا وسَّعَ اللَّهُ له قَبْرَه... بل ضيَّقَ اللَّهُ على القاطِعِ

رَحِمَ نبيٍّ جَدُّه جَدُّه... يدعو إلى نورٍ له ساطعِ

رمى رسولَ اللَّهِ مِن بينهم... دُونَ قُرَيشٍ رَمْيَةَ القارعِ

أَسْبَلَ بالحِجْرِ لِتَكْذِيبِه... دُونَ قُرَيشٍ نُهْزَةُ (٢) القادِعِ

فاستوجَبَ الدَّعوةَ منة بما... بَيَّنَ للنَّاظِرِ والسَّامعِ (٣)

أنْ سَلَّطَ اللَّهُ به كَلْبَه... يمشي الهُوَيْنا مِشْيَةَ الخادِعِ

حتى أتاه وَسْطَ أصحابِه... وقد عَلَتْهُمْ سِنَةُ الهاجِعِ

فالتقَمَ الرأسَ بِيَافوخِهِ (٤) ... والنَّحْرَ منه فَغْرَةَ الجائعِ

ثم علا بعدُ بأنيابِه... مُنْعَفِرًا وَسْطَ دمٍ ناقِعِ


(١) "أي ذات سباع" زيادة من (ف).
(٢) النهزة كالفرصة وزنًا ومعنًى. وانظر التعليق الآتي.
(٣) جاء في (أ) بعد هذا البيت ما يعدُّ شرحًا لما قبله، ولعل موضعه في الحاشية دون المتن، وهو: "أي: أسبل ثيابه في حجر الكعبة ليكذب محمدًا، وهو -أي عتبة- فرصةُ المفحش؛ أي: من أراد شتمه وجده أهلًا له".
(٤) بيافوخه: اليافوخ: حيث التقاء عظم مقدم الرأس وعظم مؤخره. انظر: "المحكم" لابن سيده (٥/ ٢٣٩).