للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(٤) - {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.

قولُه تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}: أي: ما هو إلا وحيٌ يُوحِيه اللَّهُ تعالى إليه.

ولَمَّا قال مُشْرِكو (١) قريشٍ: ضلَّ محمدٌ عن دين آبائِه، أجابَ اللَّهُ بهذا، وسائرُ الناس كانوا يُجِيبون بأنفسهم، قال قومُ نوحٍ لنوحٍ: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ} [الأعراف: ٦٠]، {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ} [الأعراف: ٦١]، وقال عادٌ لِهُودٍ: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} [الأعراف: ٦٦]، {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ} [الأعراف: ٦٧]، وقال فرعونُ لموسى: {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا} [الإسراء: ١٠١]، قال له: {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء: ١٠٢].

واللَّهُ تعالى تولَّى جوابَ ما قالوا للمصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم-: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}، {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير: ٢٢]، {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الحاقة: ٤١ - ٤٢]، {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: ٦٩]، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣].

وخُصُوصِيَّةٌ أخرى: قال لداود عليه السلام: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: ٢٦]، وقال للمصطفى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣]، وقال لآدم: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١]، وقال للمصطفى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}.

ورُوِيَ عن عُرْوةَ بنِ الزُّبير أنه قال: أرادَ عُتْبَةُ بنُ أبي لَهَبٍ الخُروجَ إلى الشَّام، فقال: لآتِيَنَّ محمدًا ولَأُوذِيَنَّه، فأتاه فقال: يا محمدُ، كفَرْتُ بالنَّجْمِ إذا هوى، والذي دنا فتدلَّى، فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ سَلِّطْ عليه كَلْبًا مِن كلابِكَ"، وكان أبو طالبٍ حاضِرًا، فوجَمَ لها وقال: لقد أغناكَ اللَّهُ يا ابنَ أخي عن هذه الدَّعوة، خَوْفًا على ابن أخيه، فرجَعَ عُتْبَةُ إلى أبيه فأخبَرَه، ثم خرَجَ إلى الشام، فنزَلوا مَنْزِلًا، فأشرَفَ


(١) في (ف): "المشركون من".