و {يَسْجُدَانِ}: أي: يَخْضَعانِ للَّه بالشَّهادة على أنفُسِهما بأنهما مُسَخَّرانِ مَرْبُوبان، ويدُلَّانِ على ألوهِيَّةِ خالِقِهما، وعلى وَحْدانِيَّتِه وكَمالِ قُدْرَتِه.
وقيل: أرادَ (١) به نَجْمَ السَّماءِ وشَجَرَ الأرضِ، والنَّجْمُ: زِينَةُ السَّماءِ، والشَّجَرُ: زِينَةُ الأرضِ، فأخبَرَ أنَّ النَّوْعَينِ جميعًا للَّه تعالى ساجدان، وعلى وحدانيَّةِ اللَّهِ تعالى شاهدان.
وقيل: إنَّ الصَّابِئين يعبُدون النَّجْمَ، وبعضَ الأعاجِمِ عبَدوا الشَّجَرَ؛ كما أنَّ كثيرًا مِن المشركين عبَدوا الشَّمْسَ والقمَرَ، فأخبَرَ أنَّ هذه الأشياءَ الأربعةَ ساجِدَةٌ للَّه تعالى، شاهِدَةٌ على اللَّه تعالى، فلا تسجُدوا لها، واسجُدوا لِمَن خَلَقَها وسَخَّرَها.
وقيل: أي: رفَعَ قَدْرَها، وأخرَجَ الخَلْقَ إلى ما يَنْزِلُ عليهم منها.
{وَوَضَعَ الْمِيزَانَ}: أي: وضَعَ في الأرض الميزانَ الذي يتناصَفون به في مُعاملاتِهم، ويزولُ به التَّنازُعُ الذي هو سبَبُ فسادِهم، مَنَّ به على خَلْقِه إذ هداهم لِصَنْعَتِه، وأَلْهَمَهم الوَزْنَ به، ولولا ذلك لم يَدْروا كيف يَسْتَوْفون الحُقوقَ، وكيف يُوَفُّونها، فكان يقَعُ بينهم التَّظالُمُ والتَّقاطُعُ.
ولا ينبغي أنْ ينظُرَ إلى خِلْقَتِه، بل إلى المَصْلَحَةِ التي لا قِوامَ للدنيا إلا بها، وسببُ ذلك أنَّ الناسَ لَمَّا كانوا مَطْبوعين على الضِّنِّ بأملاكِهم، وكان بعضُهم مُحتاجًا