للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلى بعض فيما يأخُذُه منه ويُعطِيه إياه، وكان التَّنازُعُ غيرَ مأمونٍ عليهم، جعَلَ اللَّهُ لهم آلةً يَعْلَمُ بها كلٌّ منهم ما يأخُذُ وما يُعْطِي، وأيُّ شيءٍ أجَلُّ مِن هذا؟!

ولهذا ذكَرَه اللَّهُ في آيةٍ أخرى مَقْرونًا بالكتاب، فقال: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} [الشورى: ١٧]؛ لأنَّ الكتابَ يَهْدِي النَّاسَ إلى مَصالحِ دِينِهم، والميزانَ يتَضَمَّنُ مَصالِحَ دُنياهم.

* * *

(٨ - ٩) - {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}.

وقولُه تعالى: {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ}: أي: لِئَلَّا تَطْغَوا في الميزان.

والطُّغْيانُ: هو مُجاوزَةُ الحَدِّ الذي جُعِلَ هو آلةً لذلك، وهو العَدْلُ.

وقال الفَرَّاءُ: هو على النَّهْيِ، يدُلُّ عليه أنه قال بعدَه: {وَأَقِيمُوا}، وهذا للأمر (١).

وقولُه تعالى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ}: قيل: أي: قَوِّمُوا وسَوُّوا.

وقيل: أي: ائتُوا به على القِسْطِ؛ أي: العَدْلِ.

{وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}: أي: ولا تُنْقِصوا ما تُوَفُّون به مِن الحُقوق، ولا تزدادوا فيما تَسْتَوْفُون به.

وقال مجاهدٌ وسعيدُ بنُ جبيرٍ: {الْمِيزَانَ}: أُريدَ به العَدْلُ (٢) وعلى هذا (وضَعَ) بمعنى: شَرَعَ وبَيَّنَ، وهو كوَضْعِ كتابٍ، ووَضْعِ رَسْمٍ.


(١) انظر: "معاني القرآن" (٣/ ١١٣).
(٢) رواه عن مجاهد الطبريُّ في "تفسيره" (٢٢/ ١٧٧)، وذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ١٧٨)، والماوردي في "النكت والعيون" (٥/ ٤٢٤)، والبغوي في "تفسيره" (٧/ ٤٤٢). وانظر ما تقدم عند تفسير قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} [الأعراف: ٨].