أنْ يسلبَ رداءَك فأعطِه قميصَك، ولم يكنْ قِصاصٌ على جنايةٍ في نفسٍ أو طرفٍ، فاتَّبَعوا هذه الأوامر، وأطاعوا اللَّه، وكانوا متوادِّيْن متراحمِيْن متعاطفِيْن.
وقوله تعالى:{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا}: ليس هذا بعطفٍ على ما مضى، بل هو استئنافٌ، ومعناه: ابتدعوا رهبانيَّة ولزومَ صوامعَ، وتشديدًا على أنفسِهم.
{مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}: أي: ما أوحيْنا عليهم تلك الرَّهبانيَّة.
{إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} هذا استثناء منقطع، بمعنى: لكن؛ أي: لكن كنَّا أمرناهم بأنْ يبتغوا رضوانَ اللَّهِ.
وقيل: أي: ما ابتدعوها إلَّا مبتغين بذلك رضوان اللَّه.
{فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}: أي: ما حفظوا تلك الرَّهبانية حقَّ حفظِها، وما ثبتوا عليها، بل تنصَّرَ كثيرٌ منهم، وتركوا الحقَّ، وثبتَ بعضُهم على الحقِّ.
{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}: خارجون عن طاعة اللَّه.
ففيه دليلٌ على أنَّ الشُّروع في نفلِ العبادة ملزِمٌ، فإنَّ مَن شرعَ فيما ليس عليه ثمَّ تركَه استحقَّ اسمَ الفسقِ والوعيد.
وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال: كنْتُ رديفَ رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- على حمارٍ، فقال لي:"يا ابن أمِّ عبدٍ، هل تدري مِنْ أينَ اتَّخذَتْ بنو إسرائيل الرَّهبانيَّة؟ "، قلْتُ: اللَّهُ ورسولُه أعلم، قال: "ظهرت عليهم الجبابرة بعدَ عيسى عليه السلام يعملون بمعاصي اللَّه عزَّ وجلَّ، فغضِبَ أهلُ الإيمانِ فقاتلوهم، فهُزِمَ أهلُ الإيمانِ ثلاثَ مرَّاتٍ، فلم يبقَ منهم إلَّا القليل، فقالوا: إنْ ظهرَ علينا هؤلاء أفنَونا، ولم يبقَ للدِّين أحدٌ يدعو إليه، فتعالَوا حتَّى نتفرَّق في الأرضِ إلى أنْ يبعثَ اللَّهُ النَّبيَّ الَّذي وعدَنا