للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من غير أهل بدر: "قمْ يا فلان، وأنت يا فلان، وأنت يا فلان فقُم"، حتى أقام عدَّةً من النَّاس، فشقَّ ذلك على مَن أُقيم من مجلسِه، وعرف النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الكراهةَ في وجوهِهم، فقال المنافقون لأصحاب النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألسْتُم تزعمون أنَّ صاحبكم هذا -يعنون النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يعدلُ بين النَّاس؟ قالوا: بلى، قال المنافقون: واللَّه ما رأيناه عدلَ على هؤلاء، قومٌ أَخذُوا مجالسَهم، وأحبُّوا القُرْبَ من نبيِّهم، فأقامَهم وأجلسَ مَن أبطأ عنه مكانَهم. وكان ذلك يومَ الجمعة، فقال النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد ذلك: "رحمَ اللَّه رجلًا تفسَّح لأخيه"، فكانوا يقومون بعدَ ذلك سِراعًا، وتفسَّح القوم لإخوانهم، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية (١).

وقال الحسنُ: بلغني أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا قاتلَ المشركين وصفَّ أصحابَه للقتال، تشاحُّوا في الصَّفِّ الأوَّل؛ ليكونوا في أوَّل القوم، فكان الرَّجل منهم يجيء إلى الصَّفِّ الأوَّل فيقول لإخوانه: توسَّعوا لنلقى العدوَّ ونُصيبَ الشَّهادة، فلا يوسِّعون له رغبةً منهم في الجهاد والشَّهادة أن يصحيبوها، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية (٢).

وقال الحكم بن عتيبة في قوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} قال: يرفع اللَّه العالمَ على الذي لا يَعلم سبعين درجةً، اللَّه أعلم بما بينَ كلِّ درجتين، وإنَّ العالم يستغفرُ له كلُّ شيءٍ حتَّى الحوت في البحر، والطَّير في جو السماء (٣).


(١) انظر: "تفسير مقاتل" (٤/ ٢٦٢).
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٢٥٩).
(٣) لم أجده عن الحكم، لكن روي معناه مرفوعًا، فقد روى أبو داود (٣٦٤١ - ٣٦٤٢)، والترمذي (٢٦٨٢)، وابن ماجه (٢٢٣)، وابن حبان في "صحيحه" (٨٨)، وغيرهم من حديث أبي الدرداء رضي اللَّه عنه مرفوعًا بلفظ فيه: "وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء. . . "، وفيه: "إن العلماء ورثة الأنبياء. . . "، الحديث.