بنو النَّضير: إنَّه واللَّه للنَّبي الذي سمعنا به، ووجدنا نعته في التَّوراة، لا يردُّ له راية، فلمَّا غزا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من قابلٍ أحدًا وهُزم المسلمون ارتابوا، وأظهروا العداوة للَّه ولرسوله وللمؤمنين، ونقضوا العهد.
فركب كعب بن الأشرف في أربعين راكبًا من اليهود إلى مكَّة، فأتوا قريشًا، فحالفوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم رجع كعب بن الأشرف وأصحابه لعنهم اللَّه إلى المدينة، ونزل جبريل صلوات اللَّه عليه على النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأخبره بذلك، وأمرَه اللَّه تعالى بقتل كعب بن الأشرف، فقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه:"أمرني اللَّه تعالى بقتل كعب بن الأشرف فاقتلوه".
وانتدبَ قومٌ فيهم محمَّد بن مسلمة، فذهبوا وقتلوه ليلًا، وله قصَّة، فأصبح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأمر النَّاس بالمسير إلى بني النَّضير، فجاء وحاصروهم في رواية إحدى وعشرين ليلة (١).
وقال محمَّد بن إسحاق: جلاء بني النَّضير كان مرجعَ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من أُحُد، وكان فتحُ بني قريظة مرجعَه من الأحزاب، وبينهما سنتان.
وأجلاهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أن يحمل كلُّ ثلاثةِ أهلِ أبياتٍ على بعيرٍ واحد ما شاؤوا، وما تركوا فلرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه، فذلك قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}: أي: سلَّط رسو لَه عليه السلام والمؤمنين على إخراجهم {مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ}: قيل: إنَّ النَّاس يُحشرون في الآخرة إلى أرض الشَّام، فكان حشر اليهود إليها الآن أوَّل الحشر.
(١) انظر: "سيرة ابن إسحاق" (ص: ٣١٧)، و"السيرة النبوية" لابن حبان (١/ ٢١٤). وقصة قتل كعب بن الأشرف عند البخاري (٤٠٣٧).