للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فعلم بذلك رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتوجَّه إلى المدينة من غير أن يخبرهم بذلك، ونهضَ كأنَّه يريد حاجةً، فلمَّا أبطأ عليهم تبعوه فلم يلحقوه إلَّا بالمدينة، فأخبرهم بذلك.

ودعا محمَّدَ بن مسلمة وقال: "اذهب إلى يهود بني النَّضير، وقل لهم: اخرجوا من بلدي"، فأبوا واستعدُّوا له، فحاصرهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خمسة عشر يومًا، وأرسل لهم المنافقون: إنَّا معكم إنْ قُوتِلْتُم، وعلينا لكم النَّصر، فلم يمكِّنهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من القتال (١) في دورهم وحصونهم، وأمر بالأدنى فالأدنى من دورهم وحصونهم أنْ تُهدَم، وبالنَّخيل أن تُقطَع وتُحرَّق، وألقى اللَّه في قلوبهم الرُّعب.

وكانوا في حصارهم يخربون بيوتهم ممَّا يليهم (٢)، والمسلمون يخربون ممَّا يليهم، حتى وقعَ الصُّلح، وأجلاهم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أن يحملوا من أموالهم ما استقلَّت الإبل، حتَّى كان الرَّجل يهدمُ بابَ دارِه ليُحمل على بعيره.

فمنهم مَن خرج إلى خيبر، ومنهم مَن خرج إلى الشَّام وإلى أذرعات، وحملوا النِّساء والصِّبيان والأموال سوى السِّلاح، وشقُّوا سوق المدينة في ستِّ مئة بعير متزيِّنين، يضربون بالدُّفوف والمزامير، يُظهرون (٣) التَّجلُّد، وقبضَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أموالهم وسلاحهم (٤).

وقيل: لَمَّا دخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة صالحَ بني النَّضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلهم ولا يقاتلوا معه، فلمَّا غزا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بدرًا وظهر على المشركين قالت


(١) في (ر): "بالقتال" بدل: "من القتال".
(٢) بعدها في (ر): "بأيديهم".
(٣) في (ر): "وأهل المدينة يظهرون".
(٤) انظر: "مغازي الواقدي" (١/ ٣٦٤ - ٣٧٦)، و"سيرة ابن هشام" (٢/ ١٩٠ - ١٩٣)، و"السيرة النبوية" لابن حبان (١/ ٢٣٤).