للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مجاهد: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} بالكلام بالوعيد: لنفعلنَّ كذا، ولنفعلنَّ كذا (١).

وقيل: معناه: عداوتُهم بعضَهم بعضًا فيما بينَهم شديدةٌ، كما يُقال: ألقى اللَّهُ بأسَهم بينَهم، وهذا تهويلٌ من اللَّه لأمرِهم؛ لأنَّهم إذا كانوا متعادِين حرَّض بعضُهم على هلاكِ بعضٍ، فلم يتعاونوا على غيرهم.

{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا}: أي: مجتمعين على رأيٍ واحد {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى}؛ أي: ضمائرهم مختلفة؛ لاختلافِ أهوائهم وأهواء المنافقين، فلا يبالِي المنافقون بهلاكِ الكفَّار، ولا الكفَّارُ بهلاك المنافقين (٢).

وقيل: قلوب المنافقين شتَّى لأنَّه ليس لهم دينٌ جامع.

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}: أي: لا يستعملون عقولَهم في التَّوحيد والنُّبوة، فيتَّفقون على دينٍ واحد.

وقيل: {لَا يَعْقِلُونَ} ما فيه حظُّهم ممَّا فيه نقصهم.

* * *

(١٥ - ١٦) - {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٥) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}.

قوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا}: أي: مَثَلُ هؤلاء في خيبة ظنونهم وجلائهم عن أوطانهم كمثل الذين من قبلهم قريبًا منهم، وهم يهود بني قينقاع، وقد مرَّت قصَّتهم في (سورة آل عمران)، كذا فسَّره ابن عبَّاس والواقديُّ ومحمَّد بن إسحاق (٣).


(١) ذكره الماوردي في "تفسيره" (٥/ ٥٠٨)، والواحدي في "البسيط" (٢١/ ٣٨٨).
(٢) في (أ) و (ف): "فلا يبالي المنافق بهلاك الكتابي ولا الكتابي بهلاك المنافق".
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٢/ ٥٣٩) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما. وانظر: "المغازي" للواقدي (١/ ٣٨٣)، و"سيرة ابن هشام" (٢/ ١٩٥).