ثم أقبلَ على مَن حضر من قومه فقال: إنَّما فعلتم بأنفسكم، أحلَلْتُموهم بلادكم، فنزلوا منازلكم، واستهمتُموهم في أموالكم حتَّى استغنَوا، أمَا واللَّه لو أمسكتم ما بأيديكم لتحوَّلوا إلى غير بلادكم، ثم لم يرضَوا بما فعلْتُم حتى جعلْتُم أنفسكم أغراضًا للمنايا، فقُتلْتُم دونَه، وأيتمْتُم أولادكم، وقَلِلْتُم وكَثُروا.
فقام زيد بن أرقم بهذا الحديث كلِّه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعندَه نفرٌ من أصحابه من المهاجرين والأنصار: أبو بكر الصِّديق وعثمان بن عفَّان وسعد بن أبي وقَّاص ومحمَّد بن مسلمة وأوس بن خَوْلي وعبَّاد بن بشر رضي اللَّه عنهم أجمعين، فأخبره الخبر، فكره رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خبرَه وتغيَّرَ وجهَه، ثم قال له:"غضبْتَ عليه؟ "، قال: لا واللَّهِ، لقد سمعْتُ منه يا رسول اللَّه.
وشاع في العسكر ما قالَ، فليس للنَّاس حديثٌ إلا ما قالَ ابنُ أُبيٍّ، وجعل الرَّهْط من الأنصار يؤنِّبون الغلام ويلومونه، يقولون: عمدْتَ إلى سيِّد قومِكَ تقول عليه ما لم يقل، لقد ظلمْتَ وقطعْتَ الرَّحم.
فقال زيدٌ: واللَّه لقد سمعْتُ منه ما قال، واللَّه ما كان في الخزرج رجلٌ واحدٌ أحبَّ إليَّ من عبد اللَّه بن أُبيٍّ، واللَّهِ لو سمعْتُ هذه المقالة من أَبي لنقلْتُها إلى رسول اللَّه، وإنِّي لأرجو أن يُنزِلَ اللَّه على نبيِّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتَّى يعلموا أنا كاذبٌ أم غيري (١)، أو يرى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تصديقَ قولي.
وجعل زيد بن أرقم يقول: اللَّهم أنزل على نبيِّك ما يصدِّق حديثي، فقال قائلٌ: يا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، مُرْ عبَّاد بن بِشْرٍ فليأتِكَ برأسِهِ، فكرِهَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هذه المقالة.