للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الآخرة من ثوابه وكرامته كفايةٌ، ولم يَعنِ بذلك في الدُّنيا؛ لأنَّ المتوكِّل قد يضام في الدُّنيا وينالُه فيها ما يكرهُه.

وقال الحسن رحمه اللَّه: التَّوكُّلُ على اللَّه: الرِّضا بكلِّ ما (١) قضى اللَّه (٢).

وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}: ومن يتَّقِ باللَّه دون خلقِه، صابرًا محتسبًا، يعلم أن اللَّه يَقْدِر على ما يريد، مستيقنًا بذلك {فَهُوَ حَسْبُهُ} يقول: فاللَّه كافيه (٣).

وقال الرَّبيع بن خُثَيم: إنَّ اللَّه تعالى قضى على نفسِه أنَّ مَن توكَّلَ على اللَّه كفاه، ومَن آمَنَ به هداه، ومَن أقرضه جازاه، ومَن وثقَ به أنجاه، ومَن دعاه لبَّاه، وتصديق ذلك كلِّه في كتاب اللَّه (٤).

وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: قوله: {فَهُوَ حَسْبُهُ} من عجيب الاختصار، ولأنَّه يجزئ عن قول القائل: فهو يرزقه، ويعافيه، وينصره، ولا يُشمت به أعداءه، ويفعل به ويفعل، إلى سائر ما يجوز أن يُقال (٥).

وهذه الآية نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، وذلك أن المشركين أسَرُوا ابنًا له، اسمه: سالم، فأتى النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، إنَّ العدوَّ أسروا ابني، فقال له


(١) في (ف): "الرضا بما".
(٢) رواه ابن أبي الدنيا في "التوكل" (١٧).
(٣) انظر: "تنوير المقباس" للفيروزآبادي (ص: ٤٧٥).
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٣٣٨).
(٥) لم أقف على كلام القشيري في المطبوع من "لطائف الإشارات" وقال القشيري في "لطائف الإشارات" (٣/ ٦٠٠) في تفسير {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}: لم يقل: ومن يتوكل على اللَّه فتوكُّله حسبه، بل قال: فهو حسبه؛ أي: فاللَّه حسبه؛ أي: كافيه".