للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعالى، والخضوع له، والانقياد لأمره، والتشدُّد على أعدائه، والتذلُّل لأوليائه، ومواساةِ عباده، وإرادةِ الخير لهم، والحرصِ على ما ينجيهم، والاحتمالِ لأذاهم، والقيامِ بمصالحهم، وإرشادِهم إلى ما يجمع لهم خير الدَّارين، والتَّعفُّفِ عن أموالهم، والحلمِ عن جهَّالهم، وخفضِ الجناح لهم، لم يتغيَّر عن ذلك في حالٍ من الأحوال، ولا زمنٍ من الأزمان.

ولَمَّا مدح اللَّه تعالى الأنبياء ووصفَ كلَّ نبيٍّ بصفة قال له: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠] ففعل، فصار مستجمِعًا لكلِّ خصال الخير، وكان كلُّ واحد منهم مخصوصًا بخصلة، مثلَ نوحٍ بالشُّكر، وإبراهيم بالحِلم، وموسى بالإخلاص، وإسماعيلَ بصدق الوعد، ويعقوبَ وأيُّوب بالصَّبر، وداوُد بالاعتذار (١)، وسليمان بالتَّواضع، وعيسى بالزُّهد، فلمَّا اقتدى بهم اجتمع له الكلُّ.

ولَمَّا نزل جبريل بقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩] قال: لقد أتيتك بمكارم الأخلاق؛ صِلْ مَن قطعَكَ، وأعطِ مَن حرمَكَ، واعفُ عمَّنْ ظلمَكَ، وأحسِنْ إلى من أساءَ إليك (٢). فأخذَ بذلك كلِّه.

وكانت خديجة رضي اللَّه عنها تقول له في أوَّل ما نزل به جبريل وخاف ذلك،


(١) في (ر): "بالاعتداد".
(٢) رواه بنحوه ابن مردويه من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، كما في "الدر المنثور" (٣/ ٦٢٨). ورواه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٦٤٣) من طريق سفيان بن عيينة عن رجل قد سماه، ومن طريق سفيان عن أُميٍّ الصيرفي، ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٥/ ١٦٣٨) من طريق سفيان عن أميٍّ عن الشعبي، وكل هذه مرسلات كما قال ابن كثير عند تفسير الآية، وزاد: "وقد روي له شواهد من وجوه أُخر". قلت: له شاهد من حديث عقبة بن عامر رضي اللَّه عنه عند أحمد (١٧٤٥٢).