للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قالت له: كلَّا؛ إنَّك لتحمل الكَلَّ، وتَقْري الضَّيف، وتَكْسِب المعدوم، وتصل الرَّحم، وتُعين على نوائب الحقِّ (١).

وأعلى ذلك كلِّه ما كان منه ليلة المعراج من غضِّ البصر عن الكونين، حتى قال اللَّه تعالى فيه له: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: ١٧].

لم ينحرف بالبلاء، ولم ينصرف بالعطاء، وغدًا يقولُ كلُّ رسولٍ: نفسي نفسي، وهو يقول: "أمَّتي أمَّتي" (٢)، فهذا خُلقُه.

* * *

(٥ - ٦) - {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ}.

وقوله تعالى: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ}: وهذا وعدٌ له ووعيدٌ لأعدائه، يقول: فسترى أنت وسيرى هؤلاء الذين يجحدون نبوَّتك، وينسبونك إلى الجنون.

{بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ}: والباء زائدة، وتقديره: أيَّكم المفتون؛ أي: المُبتلَى بالجنون، وأنَّه الذي لا يفكِّر في عاقبة أمره، ولا يُحسن النَّظر لنفسه، وسيَظهر في العاقبة أن هذه الصِّفة لهم لا لك.

وقال أبو عبيدة والأخفش والقتبي: الباء زائدة، كما في قوله: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: ٢٠] (٣).

وقال الشَّاعر:


(١) رواه البخاري (٣)، ومسلم (١٦٠) من حديث عائشة رضي اللَّه عنها.
(٢) رواه البخاري (٧٥١٠)، ومسلم (١٩٣) من حديث أنس بن مالك رضي اللَّه عنه.
(٣) انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة (٢/ ٢٦٤)، و"غريب القرآن" لابن قتيبة (ص: ٤٧٧)، و"معاني القرآن" للأخفش (٢/ ٥٤٧).