بل هيَّأها هيئة يقع التَّناول والمناولة بها؛ تحسينًا لخلقِه، وإكمالًا لآلات منافعه، وإن كنتم معترفين بقدرته على هذا لم يُعجِزْه جمعُ العظام المتفرِّقة.
وقيل: أي: يقدر على إعادته بغير الخلقة، مصوَّرًا بصورة البهائم، فكيف في صورته الأولى؟! وهو كقوله: {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الواقعة: ٦٠ - ٦١].
وقيل: يقدر على ردِّه على ما كان حيًّا، مستويَ البنان، مستقيمَ الأركان، كما كان.
وقيل: أي: قدرَ على أن يعيدَ السُّلاميَّات على صغرها، ويؤلِّفَ بينها، حتَّى يستويَ البنان، ومَن قدر على هذا قدر على جمع العظام الكبار من البدن.
وقوله تعالى:{بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ}: أي: ليس كفره بالبعث لقصور الدَّليل عليه، بل يريد أن يكذِّب بيوم القيامة، وذلك أنَّه إذا كذَّب بها فقد فجَر فيما هو أمامَه؛ أي: في البعث الذي هو قُدَّامَه.
وقيل:{لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ}؛ أي: ليركَب رأسَه في الفجور، فيمضيَ قُدُمًا في المعاصي، لا يمنعه تفكُّر في وعيد، والأمامُ: كنايةٌ عن هذا؛ لأنَّ مَن ركب رأسَه مضى أمامَه.
وقيل: يريد أن يفجر في مستقبل عمرِه، وفي أوقاتٍ لعلَّه لا يبلغها، ومع ذلك يَعزم على الفجور فيها.
وقيل: يتعجَّل المعصية، ويسوِّف التَّوبة.
وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: يقول: سوف أتوب، سوف أتوب (١).
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٣/ ٤٧٥)، والحاكم في "المستدرك" (٣٨٧٨) وصححه.