للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} في السَّماء ولا في الأرض، وذلك أن آدم كان من طين أربعين سنة، ثم من صلصال أربعين سنة، ثم من حمأ مسنونٍ أربعين سنة، فتمَّ خلقُه بعدَ مئة وعشرين سنة (١).

وعن ابن مسعودٍ أنَّ آدمَ خُلِقَ من ترابٍ، فأقام أربعين سنة، ثم من طين أربعين سنة، ثم من صلصال أربعين سنة، ثم من حمأ مسنون أربعين سنة، فتمَّ خلقُه بعد مئة وستِّين سنة (٢).

وقال مقاتل رحمه اللَّه: هو آدم، و {حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} هو ما كان قبل وجود آدم من الزَّمان؛ لأنَّه آخِرُ ما خلق اللَّه تعالى من أهل الأرض من أصناف الخليقة (٣).

و {لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} على هذا معناه: لم يكن هو شيئًا؛ لأنَّه لم يكن موجودًا، وإنَّما قيل: أتى عليه حينٌ، وهو غير موجود، على مجازِ قولك للرَّجل: قد كان وقتٌ لم تكن أنت شيئًا، فيكون قولك: (أنت) إشارة إلى الحاضر للتَّعريف له، ويكون المعنى أنَّ هذا الشَّخص الذي هو الآن موجود قد كان وقتًا غيرَ موجود، وكذا قوله: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} إشارة إلى آدم؛ أي: هذا الموجود كان قبل ذلك في زمان كثير غير موجود.

ولا يُستَنكَر هذا المجاز؛ فإنَّ القول الأوَّل فيه المجاز أيضًا؛ لأنَّه كان طينًا، ثم أخبر اللَّه تعالى أنَّه أتى عليه حين من الدَّهر، فإذا جاز أن يُقال: أتى على الإنسان حين من الدَّهر وهو حينئذ ليس بإنسان، مجازًا، جازَ أن يُقال: أتى عليه الدَّهر وهو حينئذ ليس بشيء مجازًا.


(١) ذكره الماوردي في "النكت والعيون" (٦/ ١٦٢)، والواحدي في "البسيط" (٨/ ٢٣).
(٢) ذكره الواحدي في "البسيط" (٢٣/ ٨).
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (٣٤٢٠)، والطبري في "تفسيره" (٢٣/ ٥٢٩)، عن قتادة بلفظ: (كان آدم آخر ما خلق من الخلق).