ثم معنى تقديم الإبل على السَّماء والأرض والجبال، وقَصْرِ التَّنبيه على هذه الأشياء الأربعة: أنَّ هذا خطابٌ للعرب، وحَثٌّ على الاستدلال، والمرءُ إنما يستدلُّ بما هو أكثر له مشاهدة، وأوقف على معانيه، والعرب في الغالب تكون في البوادي، وأعزُّ أموالهم إليهم الإبل، وهم لها أكثر استعمالًا منهم لسائر الحيوانات؛ لأن جملتها ترجع إلى الأكولة والحلوبة والركوبة والحمولة، وهي كلُّها تجتمع في الإبل دون غيرها، فإنَّه يُختصُّ سائرُها ببعض ذلك دون بعض، وليس جيل في الدُّنيا تكلَّف في وصف هذا الحيوان ما تكلَّفوه، ولا عرفَ من ظاهرها وباطنها ما عرفوه، ومن أحبَّ ذلك فلينظر في الكتب المؤلَّفة في صفات الإبل وأعراقها وأجناسها وأسنانها ولقاحها ونتاجها وألوانها ووجوه سيرها وأدوائها ومعالجاتها، فإذا كان استعمالهم في الصَّحارى لها، ونظرهم فيها إلى السَّماء والأرض والجبال = حُرِّكوا على تأمُّلها والاستدلال بها على قدرة خالقها ووحدانيَّته وعلمه وحكمته.
ثم من عجائب الإبل بروكُها ونهوضُها بالحمل الثَّقيل، وتناولُها الشَّوك وإدرارها اللَّبن الخالص الغزير، وعظمُ جثتها وانقيادُها للصبيِّ الصغير.