للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما عن النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "سألْتُ ربِّي مسألةً، وذلك أنِّي قلْتُ ليلة المعراج: قد كان قبلي أنبياء، فسخَّرْتَ لبعضهم النَّار، وسخَّرْتَ لبعضهم الرِّيح، وألَنْتَ لبعضهم الحديد، فقال تعالى: ألم أجدْكَ يتيمًا فآويْتُك؟ ألم أجدْكَ ضالًّا فهديْتُك؟ ألم أجدْكَ عائلًا فأغنيْتُك؟ ألم أشرحْ لك صدرَك؟ ألم أضعْ عنك وزرك؟ ألم أرفع لك ذِكْرَك؟ قلْتُ: بلى، ياربِّ" (١).

وقال بعضُ أهل الحقيقة في تفسير هذه الآيات في هذا المقام: اليتيمُ من انفردَ عن كلِّ أحد، فمعناه: يا محمَّد كنْتَ بمكَّة بين أصحابك، وببيت المقدس مع الأنبياء، وفي السَّماوات مع الملائكة، والآن انفردْتَ عن الكلِّ في هذا المقام، فآويتك في كنف تخصيصي، ولَمَّا قمْتَ في مقام الهيبة تحيَّرْتَ، فعجزْتَ عن الكلام، فهديْتُكَ، وفتحْتُ عليك باب الثَّناء، حتى قلْتَ: التَّحيَّات للَّه، والصلوات والطَّيبات، وأتيْتَ وأنتَ عائلٌ في حقِّ أمَّتِكَ لقلَّة طاعاتهم، فأغنيْتُك بتضعيف حسناتهم.

وقالوا: يتَّمه عن أبيه وأمِّه لتكون خدمته للَّه لا لأبيه، وشفقتُه على أمَّتِه لا على أمِّه، ويقول: يا ربّ، مكان قول غيره: يا أب، ويقول: يا أمَّتاه، مكان قول غيره؟ يا أمَّاه.

* * *

(٩ - ١١) - {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}.

{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}: فاذكر يتمَكَ.


(١) رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (١٠/ ١٢٥)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (١٠/ ٣٤٤٥)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١٢٢٨٩)، و"المعجم الأوسط" (٣٦٥١)، والحاكم في "المستدرك" (٣٩٤٤)، وصححه. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٨/ ٢٥٤): (فيه عطاء بن السائب وقد اختلط).