للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال سعيد بن المسيب: قال أبو جهل: لئن رأيتُ ابنَ أبي كبشة يصلي في مسجدنا لأطأنَّ عنقه، فأتى جبريل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إنه قال كذا فانطلِقْ فادخلِ المسجد فاقرأ باسم ربك الذي خلق، فإذا فرغت فخِرَّ ساجدًا حتى يأتيَك، فانطلق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ففعل ما قال، فقيل لأبي جهل: فها هو ذا ساجدٌ في الحِجر، فقام مسرعًا حتى أتى الحجر، ثم نكص راجعًا فقالوا له: ما لك لا تتقدم؟ فقال: إن بيني وبينه فحلًا فاغرًا فاهُ لو تقدَّمتُ لالْتَقمني، ثم دخل على أهله فزِعًا، فأتى أعرابيٌّ المشركين وهم في المسجد فقال: أَعْدُوني (١) على أبي جهل فلقد ابتاع مني جملًا وليس يؤدي إليَّ حقِّي، فقالوا له: عليك بذاك الفتى، يعنون النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على جهة السخرية، فأتى الأعرابيُّ إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: أَعْدِني على أبي جهل، فلقد ابتاع مني جملًا وحبس عني ثمنه، فقام معه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأتى باب أبي جهل فقرعه، فخرج إليه مرتاعًا فزعًا، فقال: "هل ابْتَعْتَ من هذا الأعرابيِّ شيئًا؟ " فقال: نعم، جملًا! فقال: "وفِّر عليه ثمنه" فوفره عليه، فدخل الأعرابي المسجد مع ثمن الجمل، فظنوا أن أبا جهل أسلم، فقاموا إليه فقالوا: صبأتَ يا أبا الحكم؟! قال: لا واللَّه، قالوا: فما لك أطعْتَه فيما قال؟ فقال: لو لم أفعل لانهدم عليَّ البيت.

* * *

(١٥ - ١٩) - {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}.

وقوله تعالى: {كَلَّا}: أي: ليس كما يقول أبو جهل أنه يقدر على أن يطأ رقبته.

{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ} عن هذا القول {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ}؛ أي: لنأخذنَّ بناصيته فنَجُرَّنَّه (٢) إلى


(١) "أعدوني"؛ أي: انصروني وأعينوني، أمر من أعداه يُعديه: نصره. انظر: "القاموس" (مادة: عدى).
(٢) في (ف): "فنجر به".