للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وروى أبو روق عن الضحاك أنه قال: إنَّ أولَ مَن سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن نسبة اللَّه عامرُ بن الطفيل، وذلك أن المشركين أرسلوه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: قل له: شقَقْتَ عصانا، وخالفتَ دين أبائك، وسبَبْتَ آلهتنا، فإن كنتَ فقيرًا أغنيناك، وإن كنتَ مجنونًا داويناك، وإن هَويْتَ امرأة زوَّجناكها، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لستُ بفقير ولا مجنون ولا أهوى امرأةً، بل أنا رسول اللَّه إليكم أدعوكم من عبادة الأصنام إلى عبادة اللَّه" فأرسَلوه ثانيًا فقالوا: قل له يبيِّنْ لنا جنسَ معبودِه، فأنزل اللَّه تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فأرسلوه ثالثًا فقالوا: إن لنا ثلاثَ مئة وستين صنمًا لا تقوم بحوائجنا، فكيف يقوم إلهٌ واحدٌ بحوائج الخلق كلِّهم؟! فأنزل اللَّه تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} إلى قوله: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} [الصافات: ١ - ٤] يعني: في جميع حوائجكم، فأرسَلوه رابعًا فقالوا: قل له يُبيِّن لنا أفعالَ ربه، فأنزل اللَّه تعالى نيفًا وسبعين آيةً يبين لهم أفاعيلَه، نحو قوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} الآية [الأعراف: ٥٤، يونس: ٣] وقوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ} الآية [الروم: ٤٠] {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} [فاطر: ٩] {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} [الشورى: ١٩] {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} الآية (١) وما ضاهاها من الآيات (٢).

وقد مرت قصة عامرٍ هذا وأخيه لأمِّه أربد بن قيس وهلاكِهما في سورة الرعد.

وقال ابن عباس: بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سريةً فأمَّر عليهم كلثومَ بنَ الهِدْمٍ، وكان يصلي بهم ولا يزيد على {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فلما انصرف أخبر بذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "ما حملك على ما صنعت؟ " فقال: إنه حُبِّبَ إليَّ هذه السورة،


(١) في (أ): " {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} " بدل: " {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} الآية".
(٢) ذكره الماوردي في "النكت والعيون" (٦/ ٣٧٠).