من أنواع التفسير بالمأثورِ؛ لكثرةِ ما فيه من أقوالِ السَّلف، فلا تمرُّ آيةٌ، بل ولا لفظةٌ، إلا ويَسردُ المؤلِّف ما رُوي عن السَّلَفِ في تفسيرها، بما قد يصلُ أحيانًا إلى عشرةِ أقوالٍ أو أكثر.
ونعني بالمأثور: ما رُوِي عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم مَن بعدَه من الأجيال الثلاثةِ وهم:
١ - الصحابة: وقولُهم رضي اللَّه عنهم مقدَّمٌ على كلِّ قولٍ، فإنَّ صُحبتَهم للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومخالطتَهم له، وتلقُّفَهم كلَّ قولٍ أو فعلٍ منه عليه الصلاةُ والسلام، واقتداءَهم به في كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، قد أكسبَهم -بالإضافةِ لِمَا جُبِلوا عليه من شدَّةِ الفِطْنةِ وسلامةِ الفطرةِ- فهمًا ثاقبًا، وعقلًا راجحًا، وعلمًا واسعًا، وقريحةً وقَّادةً، إضافةً لِمَا عَرَفوا من أحوالِ مَن نزل فيهم القرآنُ من العرب واليهود، هذا مع ما كانوا عليه مِن التَّقوى العظيمةِ التي أكسبتْهم نورًا يضيءُ طريقَهم، ويكشفُ لهم ما غمضَ على غيرهم من المسائل، ويجلِّي ما أَشكلَ من المعاني، فلا عَجَب أنْ كانت لهم تلك المكانةُ السامقةُ والمرتبةُ العاليةُ التي لا يمكنُ أن يبلغها غيرُهم بعد النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وأكثرُ مَن رُوي عنه التفسيرُ في جيلِ الصحابة ابنُ عباسٍ رضي اللَّه عنهما، ثم عليٌّ وابن مسعود، ثم باقي الصحابةِ رضي اللَّه عنهم أجمعين.
٢ - التابعين: وللتابعين مكانةٌ لا تُنكَر عند أهل العلم، فهم قد تَلَقَّوا التفسيرَ عن الصحابة الذين شأنُهم ما قدَّمناه، وكانوا -أي: التابعون- في عصرِ الاحتجاج اللغويِّ، فلم تَفسُدْ ألسنتُهم بالعُجمة، وكان لهم من الفهم وسلامةِ المقصد ما لهم، إضافةً إلى خلوِّهم من البِدَع والأهواء، فلم يكونوا شيعًا وأحزابًا، بل كانوا متفقينَ على أصولِ أهل السُّنَّة والجماعة التي أرساها الصحابة. كلُّ هذا جعَل لكلامهم وزنًا عند العلماء، مع الاختلافِ في الرجوعِ إلى تفسيراتهم وحجِّيَّة أقوالهم.