أكثر ثوابا لا محالة من المسيح منفردا؛ وهذا لا يقتضي أن كلّ واحد منهم أفضل من المسيح عليه السلام؛ وإنما الخلاف فى ذلك.
ويقال لهم فيما تعلقوا به ثالثا: ما أنكرتم أن يكون المراد بقوله تعالى: عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا أنّا فضّلناهم على من خلقنا وهم كثير؛ ولم يرد التبعيض؛ ويجرى ذلك مجرى قوله تعالى: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا؛ [البقرة: ٤١] معناه: لا تشتروا بها ثمنا قليلا، وكلّ ثمن تأخذونه عنها قليل؛ ولم يرد التخصيص والمنع من الثمن القليل خاصة؛ ومثله قول الشاعر:
من أناس ليس فى أخلاقهم ... عاجل الفحش ولا سوء الجزع (١)
وإنما أراد نفى الفحش كلّه عن أخلاقهم؛ وإن وصفه بأنه عاجل، ونفى الجزع عنها وإن وصفه بالسّوء؛ وهذا من
غريب البلاغة ودقيقها؛ ونظائره فى الشعر والكلام الفصيح لا تحصر.
وقد كنا أملينا فى تأويل هذه الآية كلاما مفردا استقصيناه وشرحنا هذا الوجه، وأكثرنا من ذكر أمثلته.
ووجه آخر فى تأويل هذه الآية؛ وهو أنّه غير ممتنع أن يكون جميع الملائكة أفضل من جميع بنى آدم؛ وإن كان فى جملة بنى آدم من الأنبياء عليهم السلام من يفضل كلّ واحد منهم على كلّ واحد من الملائكة؛ لأنّ الخلاف إنما هو فى فضل كلّ بنى آدم على كلّ ملك.
وغير ممتنع أن يكون جميع الملائكة فضلاء، يستحقّ كلّ واحد منهم الجزيل الأكثر من الثواب؛ فيزيد ثواب جميعهم على ثواب جميع بنى آدم؛ لأنّ الأفاضل من بنى آدم أقلّ عددا؛ وإن كان فى بنى آدم آحاد؛ كلّ واحد منهم أفضل من كلّ واحد من الملائكة.
ووجه آخر: ومما يمكن أن يقال فى هذه الآية أيضا أنّ مفهوم الآية إذا تؤمّلت
(١) البيت لسويد بن أبى كاهلى اليشكري من قصيدة مفضلية (١٩١ - ٢٠٢ طبعة المعارف).