ويمكن أن يقال للمعتزلة خاصة وكلّ من أجاز على الأنبياء الصغائر: ما أنكرتم أن يكونا اعتقدا أن الملك أفضل من النبىّ وغلطا فى ذلك، وكان منهما ذنبا صغيرا؛ لأنّ الصغائر عندكم تجوز على الأنبياء؟ ومن أين لكم إذا اعتقدا أن الملائكة أفضل من الأنبياء، ورغبا فى ذلك أنّ الأمر على ما اعتقداه مع تجويزكم عليهم الذنوب؟
وليس لهم أن يقولوا: إنّ الصغائر إنما تدخل فى أفعال الجوارح دون القلوب؛ لأنّ ذلك تحكّم بغير برهان.
وليس يمتنع على أصولهم أن تدخل الصغائر فى أفعال القلوب والجوارح معا؛ لأنّ حدّ الصغير عندهم ما نقص عقابه عن ثواب طاعات فاعله. وليس يمتنع معنى هذا الحدّ فى أفعال القلوب كما لا يمتنع فى أفعال الجوارح.
ويقال لهم فيما تعلقوا به ثانيا: ما أنكرتم أن يكون هذا القول إنما توجّه إلى قوم اعتقدوا أن الملائكة أفضل من الأنبياء؛ فأخرج الكلام على حسب اعتقادهم، وأخّر ذكر الملائكة لذلك؟ ويجرى هذا القول مجرى قول من قال منا لغيره: لن يستنكف أبى أن يفعل كذا ولا أبوك؛ وإن كان القائل يعتقد أن أباه أفضل؛ وإنما أخرج الكلام على حسب اعتقاد المخاطب لا المخاطب.
ومما يجوز أن يقال أيضا: إنه لا تفاوت فى الفضل بين الأنبياء والملائكة؛ وإن ذهبنا إلى أن الأنبياء أفضل منهم؛ ومع التقارب والتدانى يحسن أن يؤخّر ذكر الأفضل الّذي لا تفاوت بينه وبين غيره فى الفضل؛ وإنما مع التفاوت والتدانى لا يحسن ذاك، ألا ترى أنه يحسن أن يقول القائل: ما يستنكف الأمير فلان من كذا؛ ولا الأمير فلان من كذا؛ وإن كان متساويين، متناظرين أو متقاربين، ولا يحسن أن يقول: ما يستنكف الأمير من كذا ولا الحارس لأجل التفاوت.
وأقوى من هذا أن يقال: إنما أخّر ذكر الملائكة عن ذكر المسيح لأنّ جميع الملائكة