للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أفضل من الجن؛ وإذا كان وضع الخطاب يقتضي مخلوقا لم يفضّل بنو آدم عليهم؛ فلا شبهة فى أنهم الملائكة.

وتعلقوا بقوله تعالى: وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ؛ [هود: ٣١]، فلولا أن حال الملائكة أفضل من حال النبىّ لما قال ذلك.

فيقال لهم فيما تعلقوا به أولا: لم زعمتم أن قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ معناه أن تصيرا وتنقلبا إلى صفة الملائكة؛ فإنّ هذه اللفظة ليست صريحة لما ذكرتم؛ بل أحسن الأحوال أن تكون محتملة له.

وما أنكرتم أن يكون المعنى أنّ المنهىّ عن تناول الشجرة غير كما؛ وأن النهى يختص الملائكة والخالدين دونكما؟ ويجرى ذلك مجرى قول أحدنا لغيره: ما نهيت عن كذا إلا أن تكون فلانا؛ وإنما يعنى أن المنهىّ هو فلان دونك؛ ولم يرد إلا أن تنقلب فتصير فلانا.

ولما كان غرض إبليس إيقاع الشبهة لهما، فمن أوكد الشّبه إيهاما أنهما لم ينهيا وإنّما المنهىّ غيرهما.

ومن وكيد ما تفسد به هذه الشبهة أن يقال: ما أنكرتم أن يكونا رغبا فى أن ينقلا إلى صفة الملائكة وخلقهم كما رغّبهما إبليس فى ذلك! ولا تدلّ هذه الرغبة على أنّ الملائكة أفضل منهما؛ لأنه بالتقلّب إلى خلقة غيره لا ينقلب ولا يتغير بانقلاب الصورة والخلق؛ فإنه إنما يستحق على الأعمال دون الهيئات.

وغير ممتنع أن يكونا رغبا فى أن يصيرا على هيئة الملائكة وصورها؛ وليس ذلك برغبة فى الثواب ولا الفضل؛ فإن الثواب لا يتبع الهيئات والصّور، ألا ترى أنهما رغبا فى أن يكونا من الخالدين؛ وليس الخلود مما يقتضي مزيّة فى ثواب ولا فضلا فيه؛ وإنما هو نفع عاجل؛ فكذلك لا يمتنع أن تكون الرغبة منهما فى أن يصيرا ملكين إنّما كانت على هذا الوجه.