للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشاق الملائكة؟ وإذا كانت المشقّة عامّة لتكليف الأمة (١)، ولا طريق إلى القطع على زيادتها فى تكليف بعض، ونقصانها فى تكليف آخرين فالواجب التوقّف والشك.

ونحن الآن نذكر شبه من فضّل الملائكة على الأنبياء عليهم السلام، ونتكلم عليها بعون الله.

فما تعلّقوا به فى ذلك قوله تعالى حكاية عن إبليس مخاطبا لآدم وحواء عليهما السلام:

ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ؛ [الأعراف: ٢٠]، فرغّبهما فى التناول من الشّجرة ليكونا فى منزلة الملائكة، حتى تناولا وعصيا.

وليس يجوز أن يرغب عاقل فى أن يكون على منزلة هى دون منزلته؛ حتى يحمله ذلك على خلاف الله تعالى ومعصيته؛ وهذا يقتضي فضل الملائكة على الأنبياء عليهم السلام.

وتعلقوا أيضا بقوله تعالى: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ؛ [النساء: ١٧٢]، وتأخير ذكر الملائكة فى مثل هذا الخطاب يقتضي تفضيلهم؛ لأنّ العادة إنما جرت بأن يقال: لن يستنكف الوزير أن يفعل هذا ولا الخليفة، فيقدّم الأدون ويؤخر الأعظم؛ ولم يجز بأن يقال: لن يستنكف الأمير أن يفعل كذا ولا الحارس؛ وهذا

يقتضي تفضيل الملائكة عليهم السلام.

وتعلّقوا بقوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا؛ [الإسراء: ٧٠]؛ قالوا: وليس بعد بنى آدم مخلوق يستعمل فى الخبر عنه لفظة «من» التى لا تستعمل إلا فى العقلاء إلا الجن والملائكة؛ ولمّا لم يقل: «وفضلناهم» على «من» بل قال: عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا علم أنّه إنّما أخرج الملائكة عمّن فضّل بنى آدم عليه؛ لأنّه لا خلاف فى أنّ بنى آدم


(١) حاشية ف (من نسخة): «الجماعة».