فإن قيل: الأعذار فى ترك جميع أفعال الصلاة لا تكون إلا بفقد العقل والتمييز، كالنوم والإغماء وما شاكلهما، ولم يكن عليه السلام فى تلك الحال بهذه الصفة؛ فأما الأعذار التى يكون معها العقل والتمييز ثابتين؛ كالزّمانة، والرّباط والقيد، والمرض الشديد، واشتداد القتال؛ فإنما يكون عذرا فى استيفاء أفعال الصلاة، وليس بعذر فى تركها أصلا، فإنّ كلّ معذور ممن ذكرناه يصلّيها على حسب طاقته؛ ولو بالإيماء.
قلنا: غير منكر أن يكون عليه السلام صلّى مومئا وهو جالس؛ لما تعذّر عليه القيام، إشفاقا من إزعاجه صلى الله عليه وآله؛ وعلى هذا تكون فائدة ردّ الشمس ليصلّى مستوفيا لأفعال الصلاة؛ ولتكون أيضا فضيلة له، ودلالة على علوّ شأنه.
والجواب الآخر أن الصّلاة لم تفته بمضىّ جميع وقتها؛ وإنما فاته ما فيه الفضل والمزية من أول وقتها.
ويقوّى هذا الوجه شيئان: أحدهما الرواية الأخرى؛ لأن قوله:«حين تفوته» صريح فى أن الفوت لم يقع؛ وإنما قارب وكاد؛ والأمر الآخر قوله:«وقد دنت للمغرب» يعنى الشمس؛ وهذا أيضا يقتضي أنها لم تغرب وإنما دنت للغروب.
فإن قيل: إذا كانت لم تفته؛ فأىّ معنى للدعاء بردّها حتى يصلّى فى الوقت؛ وهو قد صلّى فيه!
قلنا: الفائدة فى ردّها ليدرك فضيلة الصلاة فى أول وقتها؛ ثم ليكون ذلك دلالة على سموّ مجده، وجلالة قدره فى خرق العادة من أجله.
فإن قيل: إذا كان النبي صلى الله عليه وآله هو الداعى بردّها له؛ فإن العادة انخرقت للنبىّ عليه السلام لا لغيره.
قلنا: إذا كان النبىّ عليه السلام إنما دعا بردّها لأجل أمير المؤمنين عليه السلام، وليدرك ما فاته من فضل الصلاة فشرف انخراق العادة والفضيلة به ينقسم بينهما عليهما السلام.