فإن قيل: كيف يصحّ ردّ الشمس، وأصحاب الهيئة والفلك يقولون إن ذلك محال لا تناله قدرة! وهبه كان جائزا على مذاهب أهل الإسلام، أليس لو ردّت الشمس من وقت الغروب إلى وقت الزوال لكان يجب أن يعلم أهل الشرق والغرب بذلك؛ لأنها تبطئ فى الطلوع على بعض البلاد؛ فيطول ليلهم على وجه خلاف العادة، ويمتد من نهار قوم
آخرين ما لم يكن ممتدا؟
ولا يجوز أن يخفى على أهل البلاد غروبها ثم عودها طالعة بعد الغروب، وكانت الأخبار تنتشر بذلك، ويؤرّخ هذا الحادث العظيم فى التواريخ، ويكون أبهر وأعظم من الطوفان.
قلت: قد دلت الدّلالة الصحيحة الواضحة على أن الفلك وما فيه من شمس وقمر ونجوم غير متحرك لنفسه ولا طبيعة؛ على ما يهذى به القوم؛ وإن الله تعالى هو المحرّك له، والمتصرف باختياره فيه؛ وقد استقصينا (١) الحجج على ذلك فى كثير من كتبنا؛ وليس هذا موضع ذكر.
فأما علم أهل الشرق والغرب والسهل والجبل بذلك على ما مضى فى السؤال فغير واجب؛ لأنا لا نحتاج إلى القول بأنها ردّت من وقت الغروب إلى وقت الزوال وما يقاربه على ما مضى فى السؤال؛ بل نقول: إن وقت الفضل فى صلاة العصر هو ما يلى، بلا فصل زمان أداء المصلّى فرض الظهر أربع ركعات عقيب الزوال؛ وكلّ زمان وإن قصر وقلّ يجاوز هذا الوقت؛ فذلك الفضل فائت فيه. وإذا ردّت الشمس له هذا القدر اليسير الّذي نفرض أنه مقدار ما يؤدّى فيه ركعة واحدة خفى على أهل الشرق والغرب ولم يشعروا به؛ بل هو مما يجوز أن يخفى على من حضر الحال وشاهدها؛ إن لم ينعم النظر والتنقير عنها، فبطل السؤال على جوابنا الثانى المبنى على فوت الفضيلة.
فأما الجواب الآخر المبنىّ على أنها كانت فاتت بغروبها للعذر الّذي ذكرناه فالسؤال أيضا باطل عنه؛ لأنه ليس بين مغيب جميع قرص الشمس فى الزمان، وبين مغيب بعضها وظهور بعضها إلا زمان يسير قصير؛ يخفى فيه رجوع الشمس بعد مغيب جميع قرصها إلى ظهور بعضها على كل قريب وبعيد. ولا يفطن إذا لم يعرف سبب ذلك على وجه خارق للعادة؛ ومن فطن بأن ضوء الشمس غاب، ثم عاد بعضه جوّز أن يكون ذلك لغيم أو حائل.