وعليه قد حبست ببابل مرّة ... أخرى، وما حبست لخلق معرب
هذا البيت يتضمن الإخبار عن ردّ الشمس ببابل على أمير المؤمنين عليه السلام؛ والرواية بذلك مشهورة؛ وأنّه عليه السلام لما فاته وقت العصر ردّت له الشمس حتى صلّاها فى وقتها، وخرق العادة هاهنا لا يمكن نسبه إلى غيره عليه السلام؛ كما أمكن ذلك فى أيام النبىّ عليه السلام؛ والصحيح فى فوت الصلاة هاهنا أحد الوجهين اللذين
تقدّم ذكرهما فى ردّ الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وآله، وهو أن فضيلة أول الوقت فاتته لضرب من الشّغل، فردّت عليه الشمس، ليدرك الفضيلة بالصّلاة فى أول الوقت. وقد بيّنا هذا الوجه فى تفسير البيت الّذي أوله:«ردّت عليه الشمس»، وأبطلنا قول من يدّعى أنّ ذلك كان يجب أن يعمّ الخلق فى الآفاق معرفته؛ حتى يدوّنوه ويؤرّخوه.
فأما من ادّعى أن الصلاة فاتته بأن تقضّى جميع وقتها؛ إما لتشاغله بتعبئة عسكره، أو لأن بابل أرض خسف لا يجوز الصلاة عليها فقد أبطل؛ لأنّ الشّغل بتعبئة العسكر لا يكون عذرا فى فوت صلاة فريضة؛ وإن أمير المؤمنين عليه السلام أجلّ قدرا، وأثمن دينا من أن يكون ذلك عذرا له فى فوت فريضة.
وأما أرض الخسف فإنما تكره الصلاة فيها مع الاختيار؛ فإذا لم يتمكن المصلّى من الصّلاة فى غيرها، وخاف فوت الوقت وجب أن يصلّى فيها، وتزول الكراهية.
فأما قول الشاعر:«وعليه قد حبست ببابل» فالمراد ب «حبست» ردّت؛ وإنما كره أن يعيد لفظة الردّ لأنها قد تقدمت.
فإن قيل:«حبست» بمعنى وقفت، ومعناه يخالف معنى «ردّت».
قلنا: المعنيان هاهنا واحد؛ لأنّ الشمس إذا ردّت إلى الموضع الّذي تجاوزته فقد حبست عن السير المعهود وقطع الأماكن المألوفة.
فأما المعرب فهو الناطق الفصيح بحجته؛ يقال: أعرب فلان عن كذا إذا أبان عنه.