للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: ومعنى قوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ المراد به: قبل أن يقضى إليك وحى بيانه، وتفسير معناه؛ لأن لفظة «القضاء» وإن كانت على وجوه معروفة فى اللغة، فهى هاهنا بمعنى الفراغ والانتهاء إلى الغاية؛ كما قال تعالى: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ؛ [فصلت: ١٢].

وكما قال الشاعر:

ولمّا قضينا من منى كلّ حاجة ... ومسّح بالأركان من هو ماسح (١)

أى فرغنا من حاجاتنا، وانتهينا إلى غاية الوطر منها.

فأما الجواب الثالث الزائد على ما ذكر فهو أنه غير ممتنع أن يريد: لا تعجل بأن تستدعى من القرآن ما لم يوح إليك به؛ فإن الله تعالى إذا علم مصلحة فى إنزال القرآن عليك أمر بإنزاله، ولم يدّخره عنك؛ لأنه لا يدخر عن عباده الاطّلاع لهم على مصالحهم.

فإن قيل على هذا الوجه: إنه يخالف الظاهر؛ لأنه تعالى قال: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ ولم يقل بطلبه واستدعائه، والظاهر يقتضي أن الاستعجال بنفس القرآن لا بغيره.

قلنا: الأمر على ما ظنه السائل. وعلى الوجوه الثلاثة فى تأويل الآية لا بدّ من تقدير ما ليس فى الظاهر؛ لأن على الوجهين الأولين المذكورين لا بدّ من أن يقدّر: لا تعجل بتلاوة القرآن؛ إما على سبيل الدرس والتحفّظ على ما ذكر فى الوجه الأول، وأن يتلوه على أمّته قبل إنزال البيان. وأىّ فرق فى مخالفة الظّاهر؛ بين أن يقدّر: ولا تعجل بتلاوة القرآن، أو يقدر: لا تعجل بطلب القرآن واستدعاء نزوله؟

فإن قيل: هذا يدلّ على وقوع معصية من النبي عليه السلام فى استدعائه ما لم يكن له أن يستدعيه من القرآن؛ لأنّ النهى لا يكون إلا عن قبيح.

قلنا: النهى لا يكون إلا عن قبيح لا محالة؛ لكن النهى لا يدلّ


(١) البيت ينسب لكثير؛ وانظر الجزء الأول ص ...