للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على وقوع الفعل المنهىّ عنه؛ لأنه قد ينهى عن الفعل من لم يواقعه قطّ ولا يواقعه، ألا ترى أن النبىّ عليه السلام نهى عن الشّرك وسائر القبائح؛ كما نهينا، ولم يدلّ ذلك على وقوع شيء مما نهى عنه منه!

وهذا أيضا يمكن أن يكون جوابا لمن اعتمد على الوجهين الأولين إذا قيل له: أفوقع منه عليه السلام تلاوة القرآن على أمته قبل نزول بيانه، أو عجل بتكريره على سبيل الدرس كما نهى عنه؟

ويمكن من اعتمد على الوجه الأول فى تأويل الآية أن يقول فى قوله تعالى: لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ وإن كان ظاهره النهى ليس بنهى على الحقيقة؛ وقد يرد ما هو بلفظ النهى وهو غير نهى على التحقيق، كما يرد ما هو بصفة الأمر وليس بأمر؛ وإنما ذلك تخفيف عنه عليه السلام وترفيه، ورفع كلفة المشقة، فقيل له عليه السلام: لا تتكلّف المسابقة إلى تكرير ما ينزل عليك خوفا من أن تنساه؛ فإن الله تعالى يكفيك هذه المئونة، ويعينك عن حفظه وضبطه؛ كما قال تعالى فى الآية الأخرى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ؛ أى جمعه فى حفظك وتأمورك (١).

وبعد؛ فإن الأولى التوقف عن معرفة غاية الكلام التى ينتهى إليها، ويقطع عليها.

والتلاوة لما يرد منه الأوّل فالأول؛ تلاوة لما لا يعرف معناه؛ لتعلق الكلام بعضه ببعض؛ فندب عليه السلام إلى الأول من التوقف على غايته (٢).

وأما الوجه الثانى الّذي اعتمد فيه على أنّ النهى إنما هو عن تلاوته على الأمة قبل نزول بيانه؛ فإن كان المعتمد على ذلك يقول: ليس يمتنع أن تكون المصلحة فى التوقّف عن الأداء قبيل البيان؛ فنهى عليه السلام عن ذلك؛ لأنّ المصلحة فى خلافه؛ فهذا جائز لا مطعن فيه؛ وإن كان القصد إلى أنّ الخطاب لا يحسن إلا مع البيان؛ على مذهب من يرى أنّ البيان لا يتأخر عن الخطاب؛ فذلك فاسد، لأنّ الصحيح أن البيان يجوز أن يتأخر عن وقت الخطاب؛ وإنما لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة.


(١) التامور: القلب.
(٢) حاشية ف: «التوقيف على علته».