للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنه، فأشرنا إلى إضمار ما تقدم ذكره حتى يصحّ الشرط، ويطابق المشروط، لأن من اتقى الحرام فيما يطعم لا جناح عليه فيما يطعم؛ لكنه قد يصح أن يثبت عليه الجناح فيما أخلّ به من واجب، وضيّعه من فرض، فإذا شرطنا أنه مع اتقاء القبيح ممّن آمن بالله وبما أوجب عليه الإيمان به، وعمل الصالحات ارتفع الجناح عنه من كلّ وجه.

وليس بمنكر حذف ما قدرناه لدلالة الكلام عليه، فمن عادتهم أن يحذفوا ما يجرى هذا المجرى، وتكون قوة الدّلالة عليه وسوقها إليه مغنيين عن النطق به. وفى القرآن وفصيح كلام العرب وأشعارها أمثلة كثيرة لذلك لا تحصى، فمنه قوله تعالى: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ [البقرة: ٥٣]؛ فقد ذكر فى الآية وجوه؛ من أوضحها أنه تعالى أراد: آتينا موسى الكتاب ومحمدا الفرقان، لأنه لما عطف الفرقان على الكتاب الّذي أوتيه موسى عليه السلام،

وعلمنا أنه لا يليق به- لأن الفرقان ليس مما أوتيه موسى عليه السلام- وجب أن نقدّر ما يطابق ذلك.

ومثله قول الشاعر:

تراه كأنّ الله يجدع أنفه ... وعينيه إن مولاه بات له وفر (١)

لما كان الجدع لا يليق بالعين- وإن كانت معطوفة على الأنف الّذي يليق به الجدع- أضمرنا ما يليق بالعين، وهو البخص وما يجرى مجراه.

ومثله:

يا ليت زوجك قد غدا ... متقلّدا سيفا ورمحا

ومثله:

* علفتها تبنا وماء باردا (٢) *

والإضمار مع قوة الدّلالة أحسن من الإظهار، وأدخل فى البلاغة والفصاحة.


(١) حاشية الأصل (من نسخة): «كان له وفر»، والبيت فى (الحيوان ٦: ٤٠)؛ ونسبه إلى خالد بن الطيفان؛ وقد أورده المؤلف فى هذا الجزء ص ٢٥٩.
(٢) بقيته:
* حتى شتت همّالة عيناها*
وهو من شواهد ابن عقيل ١: ٥٢٤، وقد أورده المؤلف كاملا فى هذا الجزء ص ٢٥٩.