إلى الشعبىّ وإلى الحسن البصرىّ، فقال لهما: إن يزيد بن عبد الملك عبد أخذ الله ميثاقه، وانتجبه لخلافته، وقد أخذ بنواصينا، وأعطيناه عهودنا ومواثيقنا وصفقة أيدينا، فوجب علينا السمع والطاعة، وإنه بعثنى إلى عراقكم غير سائل إياه، إلا أنه لا يزال يبعث إلينا فى القوم نقتلهم، وفى الضّياع نقبضها، أو فى الدور نهدمها، فنولّيه من ذلك ما ولّاه الله، فما تريان؟
فأما الشّعبىّ فقال قولا فيه بعض اللين؛ وأما الحسن فإنه قال له: يا عمر، إنى أنهاك عن الله أن تتعرض له، فإن الله مانعك من يزيد، ولا يمنعك يزيد من الله؛ إنه يوشك أن ينزل إليك (١) ملك من السماء، فيستنزلك من سريرك، ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك؛ ثم لا يوسّعه عليك إلا عملك، إنّ هذا السلطان إنما جعل ناصرا لدين الله، فلا تركبوا دين الله وعباد الله بسلطان الله تذلّونهم به، فإنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق جل وعزّ.
وذكر عن الشعبىّ أنه قال: كان والله الحسن أكرمنا عليه.
وروى أبو بكر بن عياش قال: قال مسلمة بن عبد الملك للحسن: عظنى فقال: إذا نزلت عن المنبر فاعمل بما تكلمت به، فقال: عظنى، فقال: أولّيت قط؟ فقال: نعم، قال:
فما كنت تحب أن يؤتى إليك فأته إلى من وليته.
وعن ثابت البنانيّ قال: قال رجل للحسن: آخذ عطائى أم أدعه حتى آخذه من حسناتهم يوم القيامة؟ فقال له: قم
ويحك خذ عطاءك! فإن القوم مفاليس من الحسنات يوم القيامة.
وولد للحسن غلام، فهنأه بعض أصحابه، فقال الحسن:«نحمد الله على هبته، ونستزيده من نعمه، ولا مرحبا بمن إن كنت غنيا أذهلنى، وإن كنت فقيرا أتعبنى؛ لا أرضى بسعي له سعيا، ولا بكدّى له فى الحياة كدّا، أشفق عليه من الفاقة بعد وفاتى، وأنا فى حال لا يصل إلى/ من همّه حزن، ولا من فرحه سرور».
وكان الحسن يقول:«لو لم يكن من شؤم الشّراب إلا أنه جاء إلى أحبّ خلق الله إلى الله فأفسده، لكان ينبغى للعاقل أن يتركه» - يعنى العقل.