فقد علم بدليل غير الإجماع؛ قيل له مثل ذلك فيما عوّل عليه، وبطل على/ كل حال أن يكون الاختلاف فى القول دليلا على وجوب الامتناع منه، وهذا ينتقض بمسائل كثيرة ذكرها يطول.
على أنّ المقدمة التى قدمها لا تشبه ما ألزم عليها، لأن الإجماع أولى من الاختلاف فيما يتعارض ويتقابل، والإجماع والاختلاف فى الموضع الّذي كلم عليه واصل عمرا فى مكانين؛ لأن الإجماع هو على تسميته بالفسق، والاختلاف هو فى تسميته بما عداه من الأسماء، فلا تعارض بينهما؛ وله أن يأخذ بالإجماع فى موضعه، ويعوّل فيما الاختلاف فيه على دلالة غير الإجماع، لأن فقد الإجماع من القول لا يوجب بطلانه.
وحكى أن واصلا كان يقول: أراد الله من العباد أن يعرفوه ثم يعملوا، ثم يعلّموا، قال الله تعالى: يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ، فعرّفه نفسه، ثم قال: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ؛ [طه: ١٢]، فبعد أن عرّفه نفسه أمره بالعمل. قال: والدليل على ذلك قوله تعالى: وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا- يعنى صدقوا- وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ. وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ. علموا وعملوا وعلّموا.
وروى المبرّد قال: حدّثت أن واصل بن عطاء أقبل فى رفقة فأحسّوا بالخوارج، وكانوا قد أشرفوا على العطب، فقال واصل لأهل الرفقة: إنّ هذا ليس من شأنكم فاعتزلوا ودعونى وإياهم، فقالوا: شأنك، فقال الخوارج له: ما
أنت وأصحابك؟ قال: مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله، ويقيموا حدوده، فقالوا: قد أجرناكم؛ قال: فعلّمونا أحكامه، فجعلوا يعلمونه أحكامهم، وجعل يقول: قد قبلت أنا ومن معى، قالوا: فامضوا مصاحبين فإنكم إخواننا؛ قال لهم: ليس ذلك لكم؛ قال الله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ؛ [التوبة: ٦]، فأبلغونا مأمننا، فساروا بأجمعهم حتى بلغوا الأمن (١).