للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يسمع صوته جملة، والدعاء والنداء على هذا الجواب ينتصبان بينعق، وإلّا توكيد للكلام؛ ومعناها الإلغاء؛ قال الفرزدق:

/ هم القوم إلّا حيث سلّوا سيوفهم ... وضحّوا بلحم من محلّ ومحرم (١)

والمعنى: هم القوم حيث سلّوا سيوفهم.

والجواب الخامس أن يكون المعنى: ومثل الذين كفروا فى دعائهم الأصنام (٢) وعبادتهم لها واسترزاقهم إياها كمثل الرّاعى الّذي ينعق بالغنم ويناديها؛ فهى تسمع دعاءه ونداءه ولا تفهم معنى كلامه، فشبّه من يدعوه الكفار من المعبودات دون الله جلّ اسمه بالغنم، من حيث لا تعقل الخطاب ولا تفهمه، ولا نفع عندها فيه ولا مضرّة.

وهذا الجواب يقارب الّذي قبله، وإن كانت بينهما مزيّة ظاهرة؛ لأن الأول يقتضي ضرب المثل بما لا يسمع الدعاء ولا النداء جملة، ويجب أن يكون مصروفا إلى غير الغنم وما أشبهها مما يسمع وإن لم يفهم. وهذا الجواب يقتضي ضرب المثل بما يسمع الدعاء والنداء وإن لم يفهمهما، والأصنام من حيث كانت لا تسمع النداء (٣) جملة يجب أن يكون داعيها ومناديها أسوأ حالا من منادى الغنم. ويصحّ أن يصرف إلى الغنم وما أشبهها مما يشارك فى السماع، ويخالف فى الفهم والتمييز.

وقد اختلف الناس فى يَنْعِقُ فقال أكثرهم: لا يقال نعق ينعق إلّا فى الصيّاح بالغنم وحدها؛ وقال بعضهم نعق ينعق بالغنم والإبل والبقر؛ والأول أظهر فى كلام العرب؛ قال الأخطل:

فانعق بضأنك يا جرير فإنّما ... منّتك نفسك فى الخلاء ضلالا (٤)


(١) ديوانه ٢: ٧٦٠، وفى ت، ونسخة بحاشيتى الأصل، ف: «حين»، وفى حاشية الأصل أيضا: «نظير هذا فى مورد «إلا» للتوكيد دون الاستثناء قولهم: «أسألك إلا غفرت لى».
(٢) م: «للأصنام».
(٣) ت: «الدعاء والداء»، ف: «الدعاء».
(٤) ديوانه: ٥٠.