للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن كان قد يكون غير مكذّب، ويمنع من إتيانه الآيات علّة أخرى (١)؛ فالتكبر والبغى بغير الحق مانع من إيتاء الآيات، وإن منع غيره. ويجرى هذا مجرى قول القائل: أنا لا أودّ فلانا لغدره، ولا يلزم إذا لم يكن غادرا أن يودّه، لأنه ربما خلا من الغدر وحصل على صفة أخرى تمنع من مودته.

ويجوز أيضا أن تكون الآية خرجت على ما يجرى مجرى السبب، وأن يكون بعض الجهال فى ذلك العصر اعتقد جواز ظهور المعجزات على يد الكفار المتكبرين (٢)، فأكذبهم الله تعالى بذلك.

ورابعها أن يكون المراد بالآيات العلامات التى يجعلها الله تعالى فى قلوب المؤمنين؛ ليدلّ بها الملائكة على الفرق بين المؤمن والكافر، فيفعلوا بكل واحد منهما ما يستحقه من التعظيم أو الاستخفاف، كما تأول أهل الحق الطبع والختم اللذين ورد بهما القرآن على أن المراد بهما العلامة المميّزة بين الكافر والمؤمن؛ فيكون معنى سأصرفهم عنها، أى أعدل بها عنهم (٣)، وأخصّ بها المؤمنين المصدقين بآياتى وأنبيائى (٤). وهذا التأويل يشهد له أيضا قوله تعالى:

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ؛ لأنّ صرفهم عن هذه الآيات كالمستحقّ لتكذيبهم وإعراضهم عن آياته تعالى.

وخامسها أن يريد تعالى: أنى أصرف من رام المنع من أداء آياتى وتبليغها؛ لأنّ من الواجب على الله تعالى أن يحول من بين رام ذلك وبينه؛ ولا يمكّن منه؛ لأنه ينقض الغرض فى البعثة. ويجرى ذلك مجرى قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ؛ فتكون الآيات هاهنا القرآن وما جرى مجراه من كتب الله تعالى التى تحمّلتها (٥) الرسل.

والصرف وإن كان متعلقا فى الآية بنفس الآيات فقد يجوز أن يكون المعنى متعلّقا [فى الآية/ بنفس الآيات، فقد يجوز أن يكون المعنى متعلقا بغيرها] (٦) مما هو متعلق بها. فإذا ساغ


(١) فى حاشيتى ت، ف: «يعنى وإن كان غير التكذيب أيضا مانعا».
(٢) ت: «المذكورين»، ومن نسخة بحاشية ت: «المكذبين».
(٣) ف، ونسخة بحاشية ت: «أى أعدل بهم عنها».
(٤) من نسخة بحاشيتى الأصل، ت:
«وبيناتى».
(٥) ت، وحاشية ف (من نسخة): «تحملها».
(٦) ساقط من م.