للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن نعلقه بالثواب والكرامة المستحقين على التمسك بالآيات ساغ أن نعلّقه بما يمنع من تبليغها وأدائها وإقامة الحجة بها. وعلى هذا التأويل لا نجعل قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا راجعا إلى سَأَصْرِفُ بل نردّه إلى ما هو قبله بلا فصل؛ من قوله تعالى:

وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا على ما بينّاه فى الوجه الثانى، من تأويل هذه الآية.

وسادسها أن يكون الصرف هاهنا الحكم والتسمية والشهادة، ومعلوم أن من شهد على غيره بالانصراف عن شيء جائز (١) أن يقال: صرفه عنه، كما يقال: [أكفره وكذّبه وفسّقه] (٢)؛ وكما قال جلّ من قائل: ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ؛ أى شهد عليها بالانصراف عن الحق والهدى، وكقوله تعالى: فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ؛ وهذا التأويل طابقه قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ؛ لأنّ الحكم عليهم [بما ذكرنا من التسمية موجب تكذيبهم وغفلتهم] (٣) عن آيات الله وإعراضهم عنها.

وسابعها أنه تعالى لمّا علم أن الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق سينصرفون عن النظر فى آياته، والإيمان بها إذا أظهرها على أيدى رسله عليهم السلام جاز أن يقول:

سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ فيريد سأظهر ما ينصرفون بسوء اختيارهم عنه. ويجرى ذلك مجرى قولهم: سأبخّل فلانا وأخطّئه، أى أسأله ما يبخل، ببذله وأمتحنه بما يخطئ فيه، ولا يكون المعنى: سأفعل (٤) فيه البخل والخطأ. والآيات على هذا الوجه جائز أن تكون المعجزات دون سائر الأدلة الدالة على الله تعالى، وجائز أن تكون جميع الأدلة؛ ويجب على هذا الوجه أن يكون قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا غير راجع إلى قوله تعالى:

سَأَصْرِفُ؛ بل إلى ما قدمنا ذكره لتصح الفائدة.


(١) ف: «جاز».
(٢) ت: «كفره وكذبه وفسقه»؛ بالتشديد.
(٣) ت، ف: «والتسمية من موجب تكذيبهم وغفلتهم».
(٤) ت، وحاشية ف (من نسخة): «أنى أفعل فيه».