للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثامنها أن يكون الصّرف هاهنا معناه المنع من إبطال الآيات والحجج، والقدح فيها بما يخرجها عن أن تكون أدلّة وحججا، فيكون تقدير الكلام: إنى بما أؤيّده من حججى، وأحكمه من آياتى وبيناتى؛ صارف للمبطلين والمكذبين عن القدح فى الآيات والدّلالات، ومانع لهم ممّا كانوا لولا/ هذا الإحكام والتأييد يفترضونه ويغتنمونه من تمويههم الحق ولبسه بالباطل. ويجرى هذا مجرى قول أحدنا (١): قد منع فلان أعداءه بأفعاله الكريمة، [وطرائقه المهذّبة، وصرفهم عن ذمّه] (٢)، وأخرس ألسنتهم عن الطعن عليه؛ وإنما يريد المعنى الّذي ذكرناه.

فإن قيل: أليس فى المبطلين من طعن على آيات الله تعالى وأورد الشبهة فيها مع ذلك؟

قلنا: لم يرد الله تعالى الصرف عن الطعن الّذي لا يؤثر ولا يشتبه على من أحسن النظر، وإنما أراد ما قدمناه، وقد يكون الشيء فى نفسه مطعونا عليه، وإن لم يطعن عليه طاعن؛ كما قد يكون بريئا من الطعن، وإن طعن فيه بما لم يؤثر؛ ألا ترى أن قولهم: فلان قد أخرس أعداءه عن ذمّه ليس يراد به أنه منعهم عن التلفظ بالذم، وإنما المعنى فيه أنه لم يجعل للذم عليه طريقا ومجالا؛ ويجب على هذا الوجه (٣) أن يكون قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا يرجع إلى ما قبله بلا فصل، ولا يرجع إلى قوله: سَأَصْرِفُ (٤).

وتاسعها أن الله تعالى لما وعد موسى عليه السلام وأمّته إهلاك عدوهم قال: سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وأراد جل وعزّ أنه يهلكهم ويصطلمهم ويجتاحهم على طريق العقوبة لهم؛ بما كان منهم من التكذيب بآيات الله تعالى، والردّ لحججه، والمروق عن طاعته، وبشّر من وعده بهذه الحال من المؤمنين بالوفاء


(١) ت: «القائل».
(٢) ت، ش: «وطرائقه الممدوحة، وأخلاقه المهذبة من عيبه، وصرفهم عن ذمه».
(٣) حاشية ت (من نسخة): «التأويل».
(٤) حواشى الأصل، ت، ف: «قريب منه قوله تعالى: وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ؛ ويعترض الآية بأن الحسين عليه السلام جند الله ومع ذلك فقد غلبوا؛ والجواب: إنهم وإن غلبوا فى صورة فإنهم الغالبون حقيقة».