/ قلنا: يحتمل أن يكون الوجه فى ذلك نعم الدنيا ونعم الآخرة، وثناهما لأنهما كالجنسين أو كالنوعين، وإن كان كل قبيل منهما فى نفسه ذا عدد كثير؛ لأن الله تعالى قد أنعم على عباده بأن عرّفهم بأدلته وبراهينه ما أنعم به عليهم، من نعم الدنيا والآخرة، وعرّفهم ما لهم فى الاعتراف بذلك والشكر عليه والثناء به من الثواب الجزيل، والبقاء فى النعيم الطويل.
ويمكن أن يكون الوجه فى تسميتهم للأثر الحسن بالإصبع هو من حيث يشار إليه بالإصبع إعجابا به، وتنبيها عليه؛ وهذه عادتهم فى تسمية الشيء بما يقع عنده، وبما له به علقة، وقد قال قوم فى بيتى طفيل والراعى: إنهما أرادا أن يقولا «يدا» فى مكان «إصبع»؛ لأن اليد النعمة، فلم يمكنهما، فعدلا عن اليد إلى الإصبع، لأنها من اليد.
وفى هذه الأخبار وجه آخر؛ هو أوضح مما ذكر، وأشبه بمذاهب العرب فى ملاحن كلامها، وتصرّف كناياتها؛ وهو أن يكون المعنى فى ذكر الأصابع الإخبار عن تيسّر تصريف القلوب وتقليبها، والفعل فيها عليه جلّت عظمته، ودخول ذلك تحت قدرته. ألا ترى أنهم يقولون: هذا الشيء فى خنصرى وإصبعى، وفى يدى وقبضتى؛ كلّ ذلك إذا أرادوا تسهّله وتيسّره وارتفاع المشقة فيه، والمئونة (١).
وعلى هذا المعنى يتأوّل المحققون قوله تعالى: وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، [الزمر: ٦٨]؛ فكأنه صلى الله عليه وآله لما أراد المبالغة