للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخطأ ذو الرّمة فى رجوعه عن قوله الأوّل، وأخطأ ابن شبرمة فى اعتراضه عليه؛ هذا كقوله عز وجل: إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها، أى لم يرها.

فأما قوله عز وجل: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها؛ [طه: - ١٥]، فيحتمل أن يكون المعنى: أريد أخفيها لكى تجزى كلّ نفس بما تسعى. ويجوز أن تكون زائدة ويكون/ المعنى إنّ الساعة آتية أخفيها لتجزى كلّ نفس. وقد قيل فيه وجه آخر؛ وهو أن يتم الكلام عند قوله تعالى: آتِيَةٌ أَكادُ، ويكون المعنى: أكاد آتى بها، ويقع الابتداء بقوله أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ؛ ومما يشهد لهذا الوجه قول ضابئ البرجمىّ:

هممت ولم أفعل وكدت وليتنى ... تركت على عثمان تبكى حلائله (١)

أراد: وكدت أقتله، فحذف الفعل لبيان معناه.

وروى عن سعيد بن جبير أنّه كان يقرأ: أَكادُ أُخْفِيها، فمعنى أخفيها على هذا الوجه أظهرها؛ قال عبدة بن الطبيب يصف ثورا:

يخفى التّراب بأظلاف ثمانية ... فى أربع مسّهنّ الأرض تحليل (٢)

أراد أنه يظهر التراب ويستخرجه بأظلافه، وقال امرؤ القيس:

فإن تدفنوا الدّاء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد (٣)

أى لا نظهره؛ وقال النابغة:

تخفى بأظلافها حتّى إذا بلغت ... يبس الكثيب تداعى التّرب فانهدما (٤)


(١) الشعر والشعراء: ٣١٠.
(٢) من قصيدة مفضلية ٢٦٨ - ٢٩٣ بشرح ابن الأنبارى.
وفى حاشية الأصل: «يصف شدة عدو الثور، وأنه يثير الغبار بأظلاف ثمانية وأربع قوائم؛ مقدار مسهن الأرض تحليل، أى قول الرجل فى يمينه إن شاء الله». وفى حواشى، ت، ف أيضا: «التحليل ضد التحريم؛ يقال: حللته تحليلا وتحلة؛ وتقول: لم أفعل ذلك إلا تحلة القسم؛ أى القدر الّذي لا أحنث معه، ولم أبالغ فيه؛ ثم توسع فيه؛ فقيل لكل شيء لم يبالغ فيه تحليل؛ يقال: ضربته تحليلا».
(٣) مختار الشعر الجاهلى: ١٣١.
(٤) البيت ليس فى ديوانه، وفى حاشية ت: «ولامرئ القيس يصف فرسا أخرج اليرابيع من حجرتها بعدوه:
خفاهنّ من أنفاقهنّ كأنّما ... خفاهنّ ودق من سحاب مركّب
وانظر ديوانه ٨٦.