وقد روى أهل العربية: أخفيت الشيء يعنى (١) سترته، وأخفيته بمعنى أظهرته، وكأنّ القراءة بالضم تحتمل الأمرين: الإظهار والستر، والقراءة بالفتح لا تحتمل غير الإظهار؛ وإذا كانت بمعنى الإظهار كان الكلام فى «كاد» واحتمالها للوجوه الثلاثة التى ذكرناها كالكلام فيها إذا كانت بمعنى الستر والتغطية.
فإن قيل: فأىّ معنى لقوله: إنى أسترها لتجزى كلّ نفس بما تسعى، أو أظهرها على الوجهين جميعا؟ وأى فائدة فى ذلك؟
قلنا: الوجه فى هذا ظاهر، لأنه تعالى إذا ستر عنّا وقت الساعة كانت دواعينا إلى فعل الحسن والقبيح مترددة، وإذا عرّفنا وقتها بعينه كنا ملجئين إلى التوبة، بعد مقارفة الذنوب ونقض ذلك الغرض بالتكليف واستحقاق الثواب به، فصار ما أريد من المجازاة للمكلّفين بسعيهم، وإيصال ثواب أعمالهم يمنع من اطلاعهم على وقت انقطاع التكليف عنهم.
فأما إذا كانت لفظة أُخْفِيها بمعنى الإظهار فوجهه أيضا واضح؛ لأنه تعالى إنما يقيم القيامة، ويقطع التكليف ليجازى كلّا باستحقاقه، ويوفّى مستحقّ الثواب ثوابه، ويعاقب المسيء باستحقاقه، فوضح وجه قوله تعالى: أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى على المعنيين جميعا.
قال سيدنا الشريف الأجل المرتضى أطال الله بقاءه: وجدت أبا بكر محمد بن القاسم الأنبارىّ يطعن على جواب من أجاب فى قوله: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ بأنّ معناه كادت تبلغ الحناجر، ويقول:«كاد» لا تضمر، ولا بدّ من أن يكون
منطوقا بها، ولو جاز ضميرها لجاز: قام عبد الله بمعنى كاد عبد الله يقوم، فيكون تأويل قام عبد الله لم يقم عبد الله؛ لأن معنى كاد عبد الله يقوم لم يقم، وهذا الّذي ذكره غير صحيح. ونظنّ أن الّذي حمله على الطّعن فى هذا الوجه حكايته له عن ابن قتيبة، لأنّ من شأنه أن يردّ كل ما يأتى به ابن
(١) حاشية ت: «أخفيته إذا كان بمعنى أظهرته كانت الألف للسلب، والمعنى: سلبته الخفاء؛ مثل شكانى فأشكيته».