لمّا قصدوا بتعلّمه أن يفعلوه ويرتكبوه، لا أن يجتنبوه صار ذلك لسوء اختيارهم ضررا عليهم.
وثانيها أن يكون ما أُنْزِلَ موضعه موضع جرّ؛ فيكون معطوفا بالواو على مُلْكِ سُلَيْمانَ؛ والمعنى: واتبعوا ما كذب به الشياطين على ملك سليمان، وعلى ما أنزل على الملكين؛ ومعنى ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ أى معهما، وعلى ألسنتهما؛ كما قال تعالى:
رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ؛ [آل عمران: ١٩٤]، أى على ألسنتهم ومعهم.
وليس بمنكر أن يكون ما أُنْزِلَ معطوفا على مُلْكِ سُلَيْمانَ وإن اعترض بينهما من الكلام ما اعترض؛ لأن ردّ الشيء إلى نظيره، وعطفه على ما هو أولى هو الواجب، وإن اعترض بينهما ما ليس منهما؛ ولهذا نظائر فى القرآن وكلام العرب كثيرة، قال الله تعالى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً. قَيِّماً؛ [الكهف: ١، ٢] و «قيّم» من صفات الكتاب حال منه، لا من صفة «عوج»، وإن تباعد ما بينهما، ومثله قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ؛ [البقرة: ٢١٧]، فالمسجد هاهنا معطوف به على الشهر الحرام، أى يسألونك عن القتال فى الشهر الحرام وعن المسجد الحرام.
وحكى عن بعض علماء أهل اللغة أنه قال: العرب تلفّ الخبرين المختلفين، ثم ترمى بتفسيرهما جملة؛ ثقة بأنّ السامع يردّ إلى كلّ خبره؛ كقوله تعالى: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ؛ [يونس: ٦٧]، وهذا واضح فى مذهب العرب، كثير النظائر.
ثم قال: وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ، والمعنى أنهما لا يعلّمان أحدا، بل ينهيان عنه، ويبلغ من نهيهما عنه وصدّهما عن فعله واستعماله أن يقولا: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ باستعمال السحر والإقدام على فعله، وهذا كما يقول الرجل: ما أمرت فلانا بكذا، ولقد بالغت فى نهيه حتى قلت له: إنك إن فعلته أصابك كذا وكذا؛ وهذا