للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ؛ [الحشر: ١٠]، فهذه الآيات تدلّ على أنه لا ينكر فى آية «الراسخين فى العلم» أن يكون قوله: يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ حالا لهم؛ مع العلم بتأويل المتشابه؛ ولو أشكل شيء من ذلك لما أشكل قوله: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا فى أنه موافق لقوله: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ وأن الصورتين واحدة.

ومما يستشهد به/ على ذلك من الشعر قول يزيد بن (١) مفرّغ فى عبد له كان يسمّى بردا باعه ثم ندم عليه:

وشربت بردا ليتنى ... من بعد برد كنت هامه (٢)

هامة تدعو صدى ... بين المشقّر فاليمامة (٣)

الرّيح تبكى شجوه ... والبرق يلمع فى الغمامة (٤)

فعطف البرق على الريح، ثم أتبعه بقوله: «يلمع»؛ كأنه قال: والبرق أيضا يبكيه لامعا فى غمامه؛ أى فى حال لمعانه؛ ولو لم يكن البرق معطوفا على الريح فى البكاء لم يكن للكلام معنى ولا فائدة.

ويمكن أيضا على هذا الوجه مع عطف «الراسخين» على ما تقدّم، وإثبات العلم بالمتشابه لهم أن يكون قوله: يَقُولُونَ آمَنَّا استئناف جملة، واستغنى فيه عن حرف العطف؛ كما استغنى فى قوله تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ؛ [الكهف: ٢٢]، ونحو ذلك مما للجملة الثانية فيه التباس بالجملة الأولى، فيستغنى به عن حرف العطف، ولو عطف بحرف العطف كان حسنا، ينزّل المتلبّس منزلة غير المتلبّس.

والوجه الثانى فى الآية أن يكون قوله: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مستأنفا غير معطوف


(١) هو يزيد بن ربيعة بن مفرغ؛ وخبر بيعه بردا، مع الأبيات فى الأغانى ١٧: ٥٣ - ٥٥.
(٢) شريت: بعت، والهامة والصدى، كلاهما كناية عما تزعم العرب أنه يطير من رأس الميت.
(٣) المشقر: حصن بين البحرين ونجران.
(٤) حاشية الأصل (من نسخة): «فى غمامة».