على ما تقدّم، ثم أخبر عنهم بأنهم: يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ، ويكون المراد بالتأويل على هذا الجواب المتأوّل، لأنه قد يسمّى تأويلا، قال تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ، [الأعراف: ٥٣] والمراد بذلك لا محالة المتأوّل، والمتأوّل الّذي لا يعلمه العلماء؛ وإن كان الله عز وجلّ عالما به، كنحو وقت قيام الساعة، ومقادير الثواب والعقاب، وصفة الحساب، وتعيين الصغائر؛ إلى غير ذلك؛ فكأنه قال: وما يعلم تأويل جميعه. على المعنى الّذي ذكرناه إلا الله؛ والعلماء يقولون آمنّا به.
وقد اختار أبو عليّ الجبائىّ هذا الوجه، وقوّاه، وضعّف الأول بأن قال: قول الراسخين فى العلم آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا دلالة على استسلامهم؛ لأنهم لا يعرفون تأويل المتشابه، كما يعرفون تأويل المحكم، ولأن ما ذكرناه من وقت القيامة، ومن التمييز بين الصغائر والكبائر هو من تأويل القرآن؛ إذا كان داخلا فى خبر الله؛ والراسخون فى العلم/ لا يعلمون ذلك.
وليس الّذي ذكره بشيء؛ لأنه لا يمتنع أن يقول العلماء مع علمهم بالمتشابه: آمَنَّا بِهِ على الوجه الّذي قدمنا ذكره؛ فكيف يظنّ أنهم لا يقولون ذلك إلا مع فقد العلم به! وما المنكر من أن يظهر الإنسان بلسانه الإيمان بما يعلمه ويتحققه! فأما قوله:«ولأن ما ذكرناه من تأويل القرآن» فذلك إنما يكون تأويلا للقرآن إذا حملت هذه اللفظة على المتأوّل، لا على الفائدة والمعنى.
وأما إذا حملت على أنه: وما يعلم معنى المتشابه وفائدته إلّا الله، فلا بدّ من دخول العلماء فيه.
وليس يمكنه أن يقول: إنّ حمل التأويل على المتأوّل أظهر من حمله على المعنى والفائدة؛ لأن الأمر بالعكس من ذلك؛ بل حمله على المعنى أظهر وأكثر فى الاستعمال، وأشبه بالحقيقة؛ على أنه لو قيل: إنّ الجواب الأول أقوى من الثانى لكان أولى من قوله من قبل: إنه لو كان المراد بالتأويل المتأوّل لا الفائدة والمعنى لم يكن لتخصيص المتشابه بذلك دون المحكم معنى؛ لأن فى متأوّل المحكم؛ كإخباره عن الثواب والعقاب والحساب؛ ممّا لا شبهة فى كونه