البيت الّذي حكيناه يمكن أن يكون شاهدا له، وقد رواه ثعلب عن ابن الأعرابىّ، وخالف فى شيء من ألفاظه فرواه:
والنّبع فى الصّخرة الصّماء منبته ... والنّخل ينبت بين الماء والعجل
وإذا صحّ هذا الجواب فوجه المطابقة بين ذلك وبين قوله تعالى: فَلا تَسْتَعْجِلُونِ على نحو ما ذكرناه، وهو أنّ من خلق الإنسان- مع الحكم الظاهرة فيه- من الطين، لا يعجزه إظهار ما استعجلوه من الآيات؛ أو يكون المعنى أنه لا يجب لمن خلق من الطين المهين، وكان أصله هذا الأصل الحقير الضعيف أن يهزأ برسل الله وآياته وشرائعه؛ لأنه تعالى قال قبل هذه الآية: وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً، أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ؛ [الأنبياء: ٣٦].
وسادسها أن يكون المراد بالإنسان آدم عليه السلام، ومعنى مِنْ عَجَلٍ أى فى سرعة (١) من خلقه، لأنه لم يخلقه من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة كما خلق غيره، وإنما ابتدأه الله تعالى ابتداء، وأنشأه إنشاء، فكأنّه تعالى نبّه بذلك على الآية العجيبة فى خلقه له، وأنه عزّ وجل يرى عباده من آياته وبيناته أوّلا أولا ما تقتضيه مصالحهم وتستدعيه أحوالهم.
/ وسابعها ما روى عن مجاهد وغيره أنّ الله تعالى خلق آدم بعد خلق كل شيء آخر، نهار يوم الجمعة على سرعة، معاجلا به غروب الشمس.
وروى أن آدم عليه السلام لما نفخت فيه الروح وبلغت إلى أعالى جسده، ولم تبلغ أسافله قال: يا رب استعجل بخلقى قبل غروب الشمس.
وثامنها ما روى عن ابن عباس والسّدّيّ أن آدم عليه السلام لما خلق وجعلت الروح فى أكثر جسده وثب عجلان مبادرا إلى أثمار الجنة- وقال قوم بل همّ بالوثوب- فهذا معنى قوله تعالى: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ.