للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: كيف يبكين دما على شيبه ثم يعبنه!

قال الآمدىّ: وليس هذا بتناقض؛ لأن الشيب إنما أبكى تماضر ولعوب أسفا على شبابه، والحسان اللواتى عبنه غير هاتين المرأتين، فيكون من أشفق عليه من الشيب منهن وأسف على شبابه بكى؛ كما قال الأخطل:

لمّا رأت بدل الشباب بكت له ... إنّ المشيب لأرذل الأبدال (١)

ولم يكن هذه حال من عابه. قال: وهذا مستقيم صحيح.

قال سيدنا أدام الله علوّه: وليس يحتاج فى الاعتذار لأبى تمام إلى ما تكلفه الآمدىّ؛ بل المناقضة زائلة عنه على كل حال، وإن كان من قد بكى شبابه، وتلهف عليه من النساء هنّ اللواتى أنكرن شيبه، وعبنه به، وما المنكر من ذلك!

وكيف يتناقض أن يبكى على شبابه ونزول شيبه منهن من رأين الشيب ذنبا وعيبا منكرا! وفى هذا غاية المطابقة؛ لأنه لا يبكى الشيب، ويجزع من حلوله وفراق الشباب إلّا من رآه منكرا ومعيبا.

وقال أبو تمام:

راحت غوانى الحىّ عنك غوانيا ... يلبسن نأيا تارة وصدودا (٢)

من كلّ سابغة الشباب إذا بدت ... تركت عميد القريتين عميدا

أرببن بالمرد الغطارف بدّنا ... غيدا ألفهم لدانا غيدا

أحلى الرّجال من النّساء مواقعا ... من كان أشبههم بهنّ خدودا

وقوله: «أرببن بالمرد» من أربّ بالشيء إذا لزمه، وأقام عليه، يقال: أربّ وألبّ بالمكان إذا لزمه: يريد أنهن لزمن هوى المرد وأقمن عليهم. ورواه قوم «أربين بالمرد» من الرّبا الّذي معناه الزيادة، يقال: قد أربى الرجل إذا ازداد؛ فيقول: أربين بالمرد، أى زدن علينا بهم، وجعلن للمرد زيادة اخترنها علينا (٣).


(١) ديوانه ١٥٨.
(٢) ديوانه: ٨٧ - ٨٨.
(٣) انظر الشهاب: ١٠.