للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أراد: فإنّ أبى وجدّى ونفسى وقاء لنفس محمد، صلى الله عليه وآله.

وقال آخرون- وهو الصحيح: العرض موضع المدح والذّم من الإنسان، فإذا قيل: ذكر عرض فلان، فمعناه ذكر ما يرتفع به أو ما يسقط بذكره، ويمدح أو يذم به، وقد يدخل فى ذلك ذكر الرجل نفسه، وذكر آبائه وأسلافه؛ لأن كل ذلك مما يمدح به ويذم؛ والّذي يدل على هذا أن أهل اللغة لا يفرّقون فى قولهم: «شتم فلان عرض فلان» بين أن

يكون ذكره فى نفسه بقبيح الأفعال، أو شتم سلفه وآباءه؛ ويدلّ عليه قول مسكين الدارمىّ:

ربّ مهزول سمين عرضه ... وسمين الجسم مهزول الحسب (١)

فلو كان العرض نفس الإنسان لكان الكلام متناقضا؛ لأن السّمن والهزال يرجعان إلى شيء واحد؛ وإنما أراد: ربّ مهزول كريمة أفعاله، أو كريم آباؤه وأسلافه؛ وقد قال ابن عبدل الأسدىّ (٢):


حتى انتهى إلى قوله:
هجوت محمدا وأجبت عنه ... وعند الله فى ذاك الجزاء
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جزاؤك على الله الجنة يا حسان؛ فلما انتهى إلى قوله:
فإنّ أبى ووالده وعرضى ... لعرض محمد منكم وقاء
قال رسول الله صلى الله عليه: وقاك الله يا حسان النار؛ فلما قال:
أتهجوه ولست له بندّ ... فشرّ كما لخير كما الفداء
فقال من حضر: هذا أنصف بيت قالته العرب.
(١) بعده:
كسبته الورق البيض أبا ... ولقد كان وما يدعى لأب
وانظر الأغانى ١٨: ٧٠، وأمالى القالى ١: ١١٨، واللآلى: ٣٥٢.
(٢) من مقطوعة فى أمالى القالى ٢: ٢٦١، عدد أبياتها أربعة عشر بيتا؛ ومنها فى حماسة أبى تمام- بشرح المرزوقى ١١٦٣ - ١١٦٤ ستة أبيات؛ وذكر القالى من خبر هذه الأبيات أنه اجتمع الشعراء بباب الحجاج؛ وفيهم الحكم بن عبدل الأسدىّ فقالوا: أصلح الله الأمير! إنما شعر هذا فى الفأر وما أشبهه، قال: ما يقول هؤلاء يا ابن عبدل؟ قال: اسمع أيها الأمير، قال: هات، فأنشده الأبيات؛ حتى انتهى إلى قوله:
ولست بذى وجهين فيمن عرفته ... ولا البخل فاعلم من سمائى ولا أرضى.