للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعد، فلو سلّم لابن قتيبة أنّ المراد بالعرض فى كلّ المواضع التى ذكرناها النفس دون السّلف، أو سلّم له ذلك فى بيت حسان خاصة؛ فإنه أقرب إلى أن يكون المراد به ما ذكره لم يقدح فيما ذكرناه؛ لأنا لم نقل: إن العرض مقصور على سلف الإنسان، بل ذكرنا أنه موضع الذم والمدح من الإنسان، ولا فرق بين سلفه ونفسه؛ فكيف يكون الاحتجاج بما المراد بالعرض فيه النفس طعنا علينا، وإنما ينفع ابن قتيبة أن يأتى بما يدلّ على أن العرض لا يستعمل إلّا فى النفس دون السّلف، وكل شيء فيما المراد بالعرض فيه النفس، أو المراد به السلف فهو مؤكّد لقولنا فى أنّ هذه اللفظة مستعملة فى موضع الذمّ والمدح من الإنسان؛ وإنما يكون ما استشهدنا به، وما جرى مجراه؛ مما يدلّ على استعمال لفظة «العرض» فى السّلف حجة على ابن قتيبة؛ لأنه قصر معناها على النفس والذات، دون السلف؛ وهذا واضح بيّن بحمد الله.

*** أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزبانىّ قال حدثنا محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم

قال: كان أبو عبيدة/ معمر بن المثنّى صفريا (١)، وكان يكتم ذلك؛ فأنشدنى لعمران بن حطّان (٢):


(١) فى حاشيتى الأصل، ف: «الصفرية: جنس من الخوارج، سموا بذلك لاصفرار وجوههم؛ وقيل: نسبوا إلى رجل اسمه صفار».
(٢) هو أبو سماك عمران بن حطان بن ذبيان السدوسى؛ رأس القعدة من الصفرية، وخطيبهم وشاعرهم، أدرك جماعة من الصحابة وروى عنهم، ثم لحق بالشراة، فطلبه الحجاج فهرب إلى الشام، فطلبه عبد الملك بن مروان ففر إلى عمان، ولما طال عمره قعد عن الحرب، واكتقى بالتحريض والدعوة بشعره؛ وتوفى سنة ٨٤. وهذه الأبيات يقولها فى رثاء أبى بلال مرداس بن أدية؛ وكان قد قتل فى إمارة عبيد الله بن زياد، سنة ٦١؛ وهى برواية أبى العباس المبرد:
يا عين بكّى لمرداس ومصرعه ... يا ربّ مرداس اجعلنى كمرداس
تركتنى هائما أبكى لمرزئتي ... فى منزل موحش من بعد إيناس
أنكرت بعدك ما قد كنت أعرفه، ... ما الناس بعدك يا مرداس بالناس
إمّا شربت بكأس دار أوّلها ... على القرون فذاقوا جرعة الكاس
فكلّ من لم يذقها شارب عجلا ... منها بأنفاس ورد بعد أنفاس
وانظر الإصابة ٥: ٨١، والكامل- بشرح المرصفى ٧: ٨٣.